كلمــات

حول الدكتور أمجد الطرابلسي

 (في ذكرى علم مر من هنا)

**************************

 

ترجمة وافية بقلم الأستاذ:عباس أرحيلة

كلية الآداب

جامعة القاضي عياض/ مراكش

 

                       

 

 

 

 

إلى روح

   أستاذ الأجيال الدكتور أمجد الطرابلسي

إلى طيف مرَّ من هنا،

 أشاعَ المُثُلَ العليا، ورسمَ قيم الأستاذية،

  وأنار السبـُل في جامعتنا في حَلَك الدجى،

 ثم راح  لينطفئ هناك في الصقيع.

 

 

 

 

 

 

 المحتويـات

 

 إهداء

 مقدمة

 المبحث الأول   : التعريف بالدكتور أمجد الطرابلسي

المبحث الثانـي :  خطابه في مجمع اللغة العربية سنة 1972

 المبحث الثالث   : من مواقف الأستاذ أمجد وأوائله

المبحث الرابع   :  أمجد االطرابلسي  شاعراً

المبحث الخامس : أمجد الطرابلسي محققا

المبحث السادس :  الطرابلسي مترجما

                 وموقفه من مسألة التأثير الأرسطي في البيان العربي

المبحث السابع  : ومات أستاذ الأجيال بعيداً عن أمته

الخاتمة

 

 تقديـــم

 

كتبت هذه الكلمات إثر وفاة الأستاذ الكبير الدكتور أمجد الطرابلسي؛ وفاءً  لذكراه  باعتباره أحد رموز الثقافة العربية في وطننا العربي الكبير خلال القرن العشرين، وباعتباره أحد رموز التعليم الجامعي في مغربنا الحديث، وأحد مؤسسيه في مطلَع الستينيّات من ذلك القرن.

وهي كلمات  تُذكرنا  برجل قدِم من بلاد الشام إلى بلاد المغرب سنة 1962، وأقام بين ظهرانينا حوالي ثلث قرن. كلمات تُذكرنا برجل مر من بلادنا؛ فوهبها تجربته العلمية وهو في أوج عطائه؛ وأخلص لها الود، ومنحها كل ما عنده. ومنذ أن غادرها، ظل يسأل عنها، وفي نفسه شيء منها؛ لأنها كانت نفحة من العروبة فاحت في وجدانه، وتعلق بها قلبه.

مات غريباً خارج ديار بني يعرب ، ولم يحضر أحد من تلك الديار لحظة وداعه؛ فهل عاتب النعش بني جلدته ؟ ومتى كان قلبه للعتاب ؟ وكل ركن فيه ملأه الزهد والتسامح ؛ فما عاد أمجد يتساْءل عن " جزاء الإحسان ". وهو القائل :

لا كانَ قلبيَ إن طالبتُ بذوْبِهِ          من كفِّ هذا الدهْرِ بعضَ جزاءِ

 وعلى أيٍّ، فإن ذكرى الرجل ما تزال تعبق بالذكر الحسن في أثير هذه الديار. وكيف لها أن تنسى نوراً سرى في ربوعها فأنار الدرب، وقدم النموذج حين يكون أخلاقاً وعلماً؛ حين يُذكر الدنيا بإنسانية الإنسان في أبعاده الروحية ؟

سبق لي أن نشرت بعض ما ورد في هذا الكتيب في شكل مقالات في الصحف، وأردت أن توضع بين دفتي هذا الكتيب لتحمل أشياء من أصداء العلامة أمجد الطرابلسي، ولتكون لمحة من وفاء لرجل تفانى في تكوين الأجيال. وفاءً لمن أوقف حياته لخدمة لغة القرآن، وصيانة تراث العربية ، وفاءً لمن كان رمزاً للوفاء.

ولا تدعي هذه الكلمات أنها قاربت أكاديمية الدكتور أمجد الطرابلسي تدريساً وتأليفاً، أو شاعريته عمقاً وإنسانية، أومنهجيته تحقيقاً وتصويباً، أو إنسانيته سلوكاً وأخلاقاً؛ وإنما حسبها أن تحمل أصداء من ذلك.

وإذا كان لي شرف إهداء أطروحتي إليه وهو على قيد الحياة؛ وقد رأى صورته بين طلبته على صفحتها الأولى، وكان يومها في باريس؛ فإن السعادة تغمرني وأنا أهدي هذا الكتيب إلى روحه الطاهرة.

 رحمه الله تعالى وأثابه على أفضاله على الجامعة المغربية ، وأجزل له الجزاء الأوفى، وجعله من الصديقين والشهداء والصالحين.

والحمد لله رب العالمين.

                                                      مراكش في 14 يونيو 2001

 

         

 

المبحث الأول

 

التعريف بالدكتور أمجد الطرابلسي

 

                 (10 رجب 1334 – 1421هـ / 13 ماي 1916 – 2001 م )

 

شاعر وكاتب، وباحث ومحقق، وأستاذ جامعي ووزير، من أصل سوري. أقام بالمغرب إحدى وثلاثين سنة أستاذاً جامعياً.

أولاً : حياته العلمية

1 - مرحلة الشباب بسوريا: 1916 – 1938 م

هو أمجد بن حسني بن محمود الطرابلسي، نسبة إلى طرابلس الشام. من مواليد 10 رجب 1334 هـ الموافق 13 ماي 1916 م .

ولد بحي السريجة بالعاصمة السورية: دمشق. كان والده ضابطا في الجيش العثماني، ثم ضابطا في الجيش الفيصلي، وأمه تنحدر من أسرة دمشقية تعرف بأسرة عمر باشا. وكان الحبة الأخيرة من عنقود الأسرة، كما يقال. فقَد أمجد أمه سنة 1918م، أي بعد سنتين من مولده، وفقد والده سنة  1925 م، فكفله جده . [ وكان أول ما نشره، في مجلة الرسالة، أبريل 1934 م، وهو تلميذ في التعليم الثانوي قصيدة بعنوان : خيال أمي غابْ. تنظر في مجموعه : كان شاعرا، ص125 ].

  وبالرغم من يُتْمه المبكر، فقد نشأ أمجد في جو محافظ، مفعم بالرعاية والحنان،  تسري فيه روح الدين الإسلامي الحنيف؛ ممّا طبع شخصيته ونفسيته، وكان لذلك الوسط المحافظ بالغ الأثر، في تربيته وتكوينه على مدى عمره. كان والده ذواقة للأدب، حادَّ الذكاء، ملمّاً بالفرنسية والألمانية. ولعل روح هذا الوالد كان لها بعض الأثر على أمجد؛ إن لم نقل الأثر العميق في ميوله الأدبية وحبه للكلمة.

بدأ تعليمه في كتاتيب دمشق، ثم بالمدارس الرسمية حيث أحرز على الشهادة الابتدائية؛ فالتحق بعدها  بـ " ثانوية عنبر "  سنة 1927 م.

وهي الثانوية التي كانت  " تضم – كما قال عنها أمجد في حفل استقباله في مجمع اللغة العربية بدمشق – في عِداد أساتذتها ثلاثة من فحول العربية كلهم أساتذتي، ولكل منهم عليَّ من الفضل ما لا يسعه عرفاني بالجميل، اثنان منهم كانا عضوين عاملين في المجمع، هما : عبد القادر المبارك وسليم الجندي، والثالث كان يشق طريقه إلى المجمع وهو محمد البزِم. أعلام ثلاثة أحالوا المدرسة آنئذ إلى مجمع آخر بعلمهم الغزير ودروسهم الشيقة ".

وظل قريبا من أستاذه محمد البزِم مدة سنوات سبع، وقد تتلمذ له في الصفين السابع والثامن. وكان أستاذه هذا  يلقبه بالنابغة، وهو بعدُ في السنة الثانية،  " حتى أخذ رفاقي في الصف ينبزونني بهذه التسمية، بدلاً من تلك التي خصني بها أبواي"، كما جاء على لسان أمجد. فقد كان الأستاذ محمد البِزِم، يتحدث عن الطبع المتوقد لتلميذه أمجد، ويبدي إعجابه بنبوغه المبكر، وكان يجره جرّاً إلى قاعة الأساتذة ليقرأ في حضرتهم ما كتبه من إنشاء.

وكان يكافئه بين الفينة والأخرى، كما يكافئ كثيرا من زملائه، بأن يشتري له كتاباُ، من أمهات كتب الأدب، ويضع عليه عبارة إهداء بخطه وإهدائه.

في هذه الثانوية العتيدة تفتقت عبقرية أمجد الطرابلسي، ومنها بزغت أسماء كثير من الأدباء والمصلحين في بلاد الشام.

من " ثانوية عنبر" هذه  حصل أمجد على  شهادة البكالوريا قسم الفلسفة سنة 1934م، وهي السنة التي بدأ فيها ينشر شعره في مجلة الرسالة لأحمد حسن الزيات (1968م) ، وكان أمجد ما يزال بعدُ تلميذاً في المرحلة الثانوية. فأخذ اسمه منذ ذلك الحين يأخذ طريقه إلى الأوساط الأدبية في العالم العربي.

كان عمره يناهز التاسع عشرة حين رحل إلى قرية " حبات  الزيت " في الجنوب من بلاد الشام، مروراً بالقنيطرة سنة 1935م؛ ليكون معلما بها. وفي السنة الموالية انضم إلى صف المعلمين العالي، وبعد حصوله على الشهادة ؛ ندبته وزارة المعارف سنة 1937م لتدريس اللغة العربية في ثانوية الكلية العلمية الوطنية في دمشق. وكان زميله فيها المرحوم خليل مردم بك الرئيس الأسبق للمجمع العلمي العربي.

2 - الرحلة في طلب العلم إلى باريس : 1938 – 1945 م

وفي أواخر سنة 1938 م أوفدته الحكومة السورية إلى فرنسا على نفقتها للتخصص في الأدب، وذلك إثر نجاحه في مسابقة مُعَدَّة لذلك.

كان من المقرر أن يعود أمجد من رحلته الدراسية بعد ثلاث سنوات، ولكن نشوب الحرب العالمية الثانية حال دون عودته إلى وطنه، فعقد العزم عل مواصل البحث والدراسة، فهيأ ليسانس في الأدب سنة 1941، ثم دافع عن أطروحته للدكتوراه في اليوم السادس من يناير سنة 1945م بباريس، تحت إشراف المستشرق الفرنسي ريجيس بلاشير (1900 –1973 م). وخلال إقامته وغربته بباريس تزوج أمجد رفيقة دربه: السيدة الفاضلة : مونيك.

وعاد أمجد إلى وطنه ليعمل مدرسا في ثانوية التجهيز سنة 1945م ، وهي تحمل اليوم اسم " جودة الهاشمي" .

3 - الأستاذية بكلية الآداب، جامعة دمشق : 1946 – 1958 م

وفي سنة 1946م، وبعد أن تم إنشاء كلية الآداب، جامعة دمشق، كان أمجد أول أستاذ يُعين بها لتدريس الأدب العربي، فبدأت رحلته المجيدة في تدريس التراث الأدبي والنقدي، وترسيخ البحث في مجالات ذلك التراث. فكان من المؤسسين للتعليم الجامعي في بلاد الشام، وتميز أمجد في مساره العلمي بروح وطنية منقطعة النظير، وأبدى تفانيا في حب العربية وتراثها. وظل يدرس بكلية الآداب، جامعة دمشق إلى حدود سنة 1958م.

4 - في رحاب الوزارة ومجمع اللغة العربية: 1958 – 1961 م

في سنة 1958 تم الاتفاق على الوحدة بين سوريا ومصر، وفيها عيَّن الرئيس جمال عبد الناصر د. أمجد الطرابلسي وزيرا للتربية والتعليم في الإقليم السوري، ووزارة الثقافة مضافة إليها؛ وكان ذلك في أول تعديل لحكومة الوحدة ( 24 ربيع الأول 1378هـ الموافق 7 تشرين الأول 1958 ). وأعاد الرئيس جمال عبد الناصر تشكيل الوزارة في 5 ربيع1381 هـ  الموافق 16 آب 1961 فتسلم د. أمجد الطرابلسي وزارة التعليم العالي في دولة الجمهورية العربية المتحدة.

وفي سنة 1960م صدر في الخامس عشر من يونيو قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة بإنشاء مجمع اللغة العربية الموحد في إقليمي الجمهورية. وصدر قرار رئيس الجمهورية برقم (57) لسنة 1961 م بتسمية كل من شكري فيصل ومحمد مبارك وأمجد الطرابلسي أعضاء في مجمع دمشق.

 واستقال الأستاذ أمجد من وزارة التعليم العالي بتاريخ : 1 جمادى الأولى 1381هـ الموافق 10 تشرين الأول 1961، وكان ذلك إثر استقالة الوزراء السوريين من حكومة الوحدة. وتبدَّد حلم الوحدة في 28 أيلول/ سبتمبر 1961م. واعتزل د. أمجد الطرابلسي العمل في هذا التاريخ.

5 - أمجد الطرابلسي أستاذاً بالجامعة المغربية  : 1962 – 1992 م

ومنذ أواخر سنة 1962م حل بأرض المغرب، وأقام الفترة الأولى من حياته بمدينة الدار البيضاء، ثم استقر بالرباط إلى يوم رحيله عن المغرب.

  جاء الأستاذ أمجد إلى المغرب، وهو في أوج عطائه العلمي؛ فوهب حياته وعلمه للتعليم الجامعي بالمغرب، وكانت الجامعة المغربية تتحسس حينئذ طريقها، فكان أحد الأعمدة التي قامت عليها. كَرّس حياته للبحث العلمي فيها، وأفنى  حياته في تكوين أجيال من  الباحثين المغاربة، وظل يدرس ويؤطّر بحوث الإجازة ودبلوم الدراسات العليا وأطروحات الدكتوراه إلى أن تقاعد سنة 1992م. وقد درَّس  في كل من الرباط وفاس ( بكلية الآداب ) ومراكش( كلية اللغة ). وبقي بالمغرب سنة بعد تقاعده، ثم رحل إلى باريس في أكتوبر 1993م ليقضيَ بقية حياته بها.

كان الأستاذ أمجد من العقول المدبرة لمسار التعليم الجامعي بالمغرب، ومن المؤسسين لأكاديميته، والمتفانين في رعايته وتوجيهه، والعاملين على تحديد هويته. وشهد له الناس بالفضل لما أسداه من خير كثير للجامعة المغربية.

أحب الأستاذ أمجد بلاد المغرب، ووهب لتعليمها الجامعي كل ما يملك من وقت وطاقة وعلم. وتعلق به طلبتها، وحل من نفوسهم مكانة خاصة جعلت منهم مريدين له. وبعد انقطاع عن مجمع اللغة العربية بدمشق دام عشر سنوات، كان الاحتفال باستقبال الأستاذ أمجد سنة 1972 م؛ ومما قاله عن ارتباطه، منذ طفولته بالمجمع: " كان لي هذا المجمع منذ تفتحت عيناي على أدب العرب، وتمرس لساني بلغة العرب؛ وطناً في وطن، وأهلاً إلى أهل. في " ظاهريته " تعلمت كيف أقرأ، وفي ندواته ومحاضراته كيف أُفكر وأَسمع. لا أذكر على وجه التحديد متى بدأ ترددي على قاعة الظاهرية ومحاضرات المجمع، فقد غاصت ذكرياتي عن كل هذا مع ما غاص في الماضي من خيالات الطفولة وصور الصبا. ولربما تسرَّبْتُ إلى هذه المرابع وأنا تلميذ في ( تطبيقات عنبر) أحبو إلى الحادية عشرة من سني".

ومما قاله د. شكري فيصل عن د. أمجد في حفل الاستقبال هذا :

" كان من هذا الجيل الذي يؤمن بالعمل فوق ما يؤمن بالنظر، والشعارات عنده لا تقوم مقام التطبيق، والأمنية لا تنقلب بالترداد واقعاً، والنصر ليس أُنشودة.

كان من هذا الجيل الذي لا يوازن بين حق الوطن وحق المواطن؛ ولكنه يعطي الوطن قيمة صوفية عميقة مجردة؛ تتضاءل كل قيمة أخرى أن تطاولها، بله أن تقاسمها الوجود".

 

6 - رحيله إلى باريس وإقامته هناك إلى حين وفاته :1993 - ‏2001‏ م

رحل الأستاذ أمجد إلى باريس ليظل قريباً من أسرته، وقضى شيخوخته هناك قريباً من أبنائه وحفدته، وظل يسأل عن أهل المغرب، وعن أحوال طلبته، كلما اتصل به أحد من مريديه ومحبيه.

وفي يوم الأحد الثالث من شهر ذي القعدة 1421 هـ الموافق ليوم 28 يناير 2001 ، انتقل إلى رحمة الله ، ومات أستاذ الأجيال. وكان ذلك على الساعة الخامسة من صباح اليوم الأحد، ودفن بمقبرة كوربفوا (courbevoie ) بباريس يوم الأربعاء 31 يناير 2001 م، عن سن يناهز 84 سنة؛ ليظل قبره قريبا من زوجته التي تفانت في خدمته والعناية به، قريباً من أبنائه وحفدته، بعيدا عن وطنه وأمته. وترك من الأبناء  حسب أعمارهم : سلمى ( الترجمة الفورية باليونسكو )، سامي ( مهندس في الإعلاميات )، ونادية ( أستاذة بأنجلترا )، وليدة (تعمل في التأمينات )، وله أحفاد وحفيدات هم اليوم آل الطرابلسي.

 

 

ثانياً :  من آ ثاره العلمية

 

1 - في مجال الإبداع الشعري

 

 أمجد الطرابلسي شاعر كبير توارى ليحل محله أستاذ كبير ، وتنوسي الشاعر عند الكثيرين  لتحتفظ الذاكرة بالأستاذ ، ولم يعرف النور من شعره إلا ذلك المجموع الذي يحمل عنوان: كان شاعرا ( من مطبوعات المجلس القومي للثقافة العربية 1993 م، وقد أهدى ديوانه إلى زوجته فقال : إلى رفيقة الدرب منذ خمسين عاما، أم أولادي، وجدة أحفادي، مونيك الحبيبة، زوجتي. )

وما نشره الأستاذ أمجد في مجلة الرسالة لأحمد حسن الزيات، من أوائل سنة 1934م إلى أواخر 1940م يقدم ديوانا كبيرا ، كما سنرى .

 

 2 - في مجال تأليف الرجال :

 

 كان رؤيته التعليمية أن يتولَّى تكوين الأجيال وإعدادها، ويلتزم بتأليف الرجال لا بتأليف الكتب. وهكذا تخرجتْ على يديه في كل من سوريا والمغرب أجيال أصبحت لها مراكز كبرى في الإدارة والسياسة والتفتيش والتعليم الجامعي.

وقد كان الطلبة يوم قدومه إلى المغرب لا يتجاوز عددهم أصابع اليد. فقرَّ عزمُه مع ثلة من العلماء المغرب على إعداد باحثين مغاربة. وأغلب أساتذة هذه الجامعة اليوم هم من طلبة الأستاذ أمجد، أو هم من طلبة طلبته.

 

3 في مجال تأليف الكتب

 

أ -  في مجال النقد الأدبي :

(1) النقد واللغة في رسالة الغفران ( دروس ومحاضرات ألقاها على طلاب شهادة آداب اللغة العربية بكلية الآداب، خلال العامين الدراسيين : 1949 - 1950 و 1950 - 1951)، مطبوعات الجامعة السورية، دمشق، 1370 هـ / 1951 )

 (2) نقد الشعر عند العرب حتى القرن الخامس للهجرة [ أطروحته للدولة تحت إشراف ريجيس بلاشير (1900 – 1973م )، دافع عنها سنة 1945 م ] ( طبعة الأولى بالفرنسية، منشورات المعهد الفرنسي بدمشق التابع لجامعة الصربون،1956 م– ترجمها إلى العربية : د. إدريس بلمليح، ط1 ، الدار البيضاء، دار توبقال للنشر، 1993 م)

(3) شعر الحماسة والعروبة في بلاد الشام أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ( جامعة الدول العربية، معهد الدراسات العربية العالية، القاهرة، 1957م )

ب -   في مجال دراسة المصادر :

(6) نظرة تاريخية في حركة التأليف عند العرب في اللغة والأدب (خمس، طبعات، أولها بمطبعة الجامعة السورية 1956م، وآخرها سنة 1986م بالمغرب).

جـ -   المقالات والمحاضرات :

له محاضرات ومقالات كثيرة  نشرت في المجلات والدوريات، وما تزال موزعة في العالم العربي ولم يكتب لها الجمع. ومحاضراته تتوزعها عواصم الوطن العربي، كما قال د. شكري فيصل. ومن تلك المحاضرات التي أشار إليها الأستاذ أمجد في بحث أنجز حوله في كلية الآداب بالرباط :

- " الأدب العربي بين الأدب القومي والأدب الإنساني " [ ألقاها  بحلب ونشرت ضمن مجموعة المحاضرات العامة، دار الكتب الوطنية، حلب 1952م ]

- " تضامن الفنون "  [ نشرت ضمن المحاضرات العامة للسنة الجامعية السورية 1952 – 1953م]

- " شعراء الشام والفكرة العربية خلال النصف الأول من القرن العشرين "  [ ألقاها بالكويت سنة 1956، ونشرت في معارف الكويت محاضرات الموسم الثقافي الثاني سنة 1956م ، دار المعارف بمصر ]

- تأملات وذكريات في حرم المسجد الجامع في قرطبة " [ ألقاها في الكويت سنة 1956م ، نشرت  في معارف الكويت، محضرات الموسم الثقافي الثاني، 1956 م، دار المعارف بمصر].

-  " خواطر في شعرنا المعاصر " [ مجلة الآداب البيروتية، العدد : 6 – 7 – 8 ، حزيران / غشت م1958 ].

 - " في الخصومة بين القديم والحديث " [ مجلة الثقافة بدمشق، أيلول 1958 م].

 - " مع الشاعر القروي من اللاذقية إلى دمشق" [ مجلة الثقافة بدمشق، تشرين الأول 1958م ].

 - "حكايات وأقاصيص من شعر إيليا أبي ماضي " [ جريدة النقاد في دمشق، كانون الثاني 1958م].

 - " أبو ماضي شاعر ذو رسالة "  [ الآداب البيروتية، أبريل 1958 م].

-"آراء نقدية ومواقف اجتماعية "، حول ابن قتيبة وابن المعتز [ ألقاها في الجزائر، ونشرت في جريدة الشعب ]

ومن المقالات التي نشرها في الثمانينيات :

آراء قديمة في لغة الشعر : مجلة الموقف الأدبي ، ع181 – 182 ، تموز1986 ، (ص24 – 30)

وكان آخر درس افتتاحي ألقاه الأستاذ أمجد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير ، بعنوان مأساة شيخ المعرة ، وكان ذلك خلال السنة الجامعية 1989 – 1990 .  وقد طُبعت هذه المحاضرة ، ضمن الدروس الافتتاحية – الدرس السادس -  جامعة ابن زهر ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية .

 

4 - في مجال التحقيق :

 

(4) زجر النابح لأبي العلاء المعري ( مقتطفات )، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، المطبعة الهاشمية بدمشق – ط1 : 1385هـ / 1965 – ط2 : 1982 م [ وهو كتاب رد فيه أبو العلاء على من تكلموا على أبيات من لزوم ما لا يلزم، ورموه بسببها بالكفر؛ فألف هذا الكتاب للرد على الطاعنين في دينه. وقد أتيح للأستاذ أمجد العثور عليها في قسم الخطوات بالمتحف البريطاني، لندن سنة 1954م. وقال عن موضوع الكتاب – في مقدمة التحقيق -  : " هو أحد التصانيف العلائية التي تكشف لنا عن الصراع الذي كان يدور في حياة أبي العلاء نفسه حول آثاره وآرائه ومسلكه في حياته وبين نفر من خصومه "، ص15 – ط1 ].

 (5) الصاهل والشاحج لأبي العلاء، حققه في المغرب تلبية لرغبة مجمع اللغة العربية، الذي زوده بمخطوطتين ثمينتين؛ تضمهما الخزانة الملكية بالمغرب. وقبل أن يُخرج الكتاب محققا في سلسلة منشورات المجمع، بادرت د.عائشة بنت الشاطئ إلى إخراجه، وأصدرت تحقيقا باسمها؛ فتألم الأستاذ أمجد لما حدث . وظل تحقيق الأستاذ أمجد للكتاب مخطوطا، ولا يُعرف  إلى اليوم المصير الذي آل إليه. ومن حسن الحظ أن الأستاذ أمجد كتب دراسة هامة حول " الصاهل والشاحج " نشرت في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1974م، وتقع في ثمان وثلاثين صفحة ، كما سنرى .

 

5 -  الإشراف والتأطير:

 

أ -   الرسائل الجامعية [ دبلوم الدراسات العليا ] التي أشرف عليها في المغرب، وتمت مناقشتها  (حسب ما ورد في دليل الأطروحات والرسائل الجامعية المسجلة بكليات الآداب بالمغرب: 1961-1994 الذي أشرف على إنجازه د. عمر أفا، وهي مرتبة حسب تواريخ مناقشتها) :

 

1 - ابن عميرة المخزومي - حياته وآثاره: محمد بن شريفة : 12/11/1964. ( أول رسالة جامعية أشرف عليها، وأول رسالة نوقشت في الجامعة المغربية) [ ط ].

2 - تحقيق مخطوطة "روضة التعريف" للسان الدين بن الخطيب: محمد الكتاني: 2/06/1969.[ ط].

3 - ظاهرة الشعر الحر في الأدب العربي الحديث من 1948 إلى 1967م : أحمد المعداوي : 16/1/1971 [ ط ].

4 - أحمد بن فارس وآراؤه اللغوية: عبد الوهاب التازي سعود : 30/06/1972

   5 - أبو علي القالي وآثره في الدراسات اللغوية والأدبية في الأندلس [ فاس ]: عبد العالي الودغيري 30/01/1976. [ ط ]

  6 - الحركة النقدية بالقيروان  في العهد الصنهاجي [ فاس ] : أحمد يزن : 13/02/1977 [ط]

7 - النقد الأدبي الفلسطيني من فجر النهضة حتى سنة 1948: عطا خليل العطاونة: 20/05/1981.

8 -  مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب "البيان والتبيين للجاحظ: الشاهد البوشيخي 22/06/1977. [ ط ]

9 -  تحقيق كتاب " المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع" لأبي محمد القاسم السجلماسي: علال الغازي 15/12/1977. [ ط ]

 10 - الاصطلاحات النقدية في كتاب "نقد الشعر" لقدامة بن جعفر- دراسة لغوية تاريخية نقدية: إدريس ناقوري 13/03/1981. [ ط ].

 11 - المنحى الاعتزالي في الدراسات البيانية العربية: أبو زيد أحمد : 19 : /06/1981. [ ط ].

 12 - البحوث الإعجازية وانعكاساتها في الدراسات البلاغية والنقدية حتى نهاية القرن 4هـ : عباس أرحيلة  : 05 /03/1982. [ ط ].

13 - الكتابة النقدية عند طه حسين: أحمد بو حسن : 17  /12/1982. [ ط]

14 -  الرؤية البيانية عند الجاحظ: إدريس بلمليح  : 21/06/1983. [ ط]

15 - تحقيق كتاب العمدة في محاسن الشعر وآدابه لابن رشيق القيرواني : محمد قرقزان:22/3/1984 [ط].

16 - أدب ميخائيل نعيمة - دراسة للمؤثرات والمصادر: أسعيد العزاوي: 14/06/1984.

17 -  أبو العلاء المعري بين قيود الفن وحرية الفكر : رشيدة أوباعز :19/6/1984

18 - أدب الأزارقة : إبراهيم المزدالي :3 /7/1985

19 - رفع الحجب المستورة عن محاسن المقصورة  لأبي القاسم محمد بن الشريف السبتي (697 – 760هـ) : محمد الحجوي : 12/5/1986 [ ط]

20 - أثر ابن جني في الحركة النقدية حول المتنبي: محمد عبد الصمد الأجراوي: 20/02/1987.

21 - بناء قصيدة المدح في القرن الهجري الأول من خلال ديواني الحطيئة والأخطل: عبد العزيز حلوي: 08/07/1987.

22 - بناء قصيدة المدح في القرن الثاني من خلال دواوين بشار بن برد، أبي نواس، مسلم بن الوليد: أحمد الراضي: 11/07/1987.

23 - بناء قصيدة المدح في القرن الرابع الهجري من خلال ديواني أبي الطيب المتنبي وابن هاني الأندلسي المغربي: العربي المنزيل: 13/07/1987.

24 - شعر كعب بن مالك الأنصاري – دراسة إحصائية : أحمد وهوب : 25/05/1988

25 - في البنية الإيقاعية للشعر الجاهلي: علاقة البحر بالغرض – دراسة إحصائية: المصطفى المومني: 31/05/1988.

26 - شعر الرثاء في "السيرة النبوية لابن هشام- جمع المتن الشعري وتحقيقه ودراسته: صالح أزوكاي 09/07/1988.

27 - القصيدة العربية القديمة بين الوحدة والتفكك من خلال أشهر كتب المختارات الشعرية القديمة: عبد الرحمان طالبي:13/06/1988.

28 - الرجز في العصر الجاهلي وفترة البعثة النبوية - جمع ودراسة: عبد الهادي دحاني: 19/01/1989.

29 - قضايا النقد الأدبي عند حازم القرطاجني من خلال كتابه "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" – دراسة تحليلية مقارنة بين القديم والحديث: محمد أديوان:15/03/1989.

30 - المعلقات العشر- دراسة أسلوبية: لطيفة لزرك 02/06/1989.

31 - التصحيف والتراث الشعري القديم: أسبابه وظواهره وجهود العلماء للحد منه: قدور العبدلاوي: 11/05/1990.

32 -  التشبيه في الدراسات البلاغية والنقدية – دراسة وصفية وتاريخية: محمد الطالبي: 18/05/1990.

33 - النقد الأدبي في الأندلس في القرنين السادس والسابع من خلال كتب المختارات الشعرية وتراجم الشعراء: مولاي العربي آيت الشريف 01/06/1990.

34 - طه حسين والتثاقف العربي الأوربي: نورة الغزاري:22/11/1990.

35 - كتاب البرهان في وجوه البيان" المنسوب إلى أبي الحسن إسحاق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب، دراسة وتحليل: محمد هلال : 17/12/1990.  

 

ب – الأطروحات التي أشرف عليها في المغرب 

 

1 - الصراع بين القديم والحديث في الأدب العربي الحديث: محمد الكتاني 6/06/1980. [ ط]

2 - مدرسة الثعالبي في التراجم والدراسات الأدبية : محمد فخر الدين : 5/4/1989

3 - مصطلحات النقد العربي لدى الشعراء الجاهليين والإسلاميين : قضايا ونماذج ونصوص : الشاهد البوشيخي : 30/11/1990 [ ط]

4 - التناسب والإيقاع الصوتي في النظم القرآني : أحمد أبو زيد : 13/12/1990 [ط]

5 - الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربيين إلى نهاية القرن الثامن للهجرة : عباس أرحيلة : 28 / 5 / 1991 [ط ] [ آخر أطروحة أشرف عليها ]

 

 

 

 

المبحث الثاني

 مع خطاب د. أمجد الطرابلسي

 

( في حفل استقباله في مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1972)

 

تمهيد: سياق هذا الخطاب وموضوعه

أ - لهذا الخطاب سياق تاريخي خاص عاشه الأستاذ أمجد الطرابلسي، فقد عاد من باريس سنة 1945 يحمل رسالة دكتوراه في النقد العربي القديم؛ ليصبح من مؤسسي التعليم الجامعي بسوريا؛ بعدما تمَّ إنشاء كلية الآداب، جامعة دمشق سنة 1946. ولما قامت الوحدة بين مصر وسوريا عينه الرئيس جمال عبد الناصر وزيرا للتربية والتعليم في الاقليم السوري سنة 1958، ثم لما أعيد تشكيل الوزارة سنة 1961 تسلم د. أمجد الطرابلسي وزارة التعليم العالي في دولة الجمهورية العربية المتحدة.

 وبعد فشل الوحدة في 28 سبتمبر 1961، اعتزل د. أمجد العمل ورفض أن يتولى وزارة نصف دولة، على حد قوله.

وفي أواخر 1962 حل بأرض المغرب فكان من مؤسسي التعليم الجامعي فيه، ومن الذين تفانوا في بلورته وإقامته على أسس صحيحة.

وتناسى الأستاذ أمجد الجراح التي ظلت غائرة في وجدانه من جراء فشل الوحدة العربية، وانصرف بكل طاقاته إلى تكوين الأجيال وتوجيهها وتأطيرها في هذا الجناح من العالم العربي الإسلامي.

وبعد انقطاع دام عشر سنوات عن مجمع اللغة العربية بدمشق، عاد الأستاذ أمجد إلى رحاب المجمع، وهو يحمل أملا لم يفارقه في تحقيق الوحدة الضائعة، وكان الاحتفال باستقباله، فتولى د. شكري فيصل (1) تقديمه للمجمع، وألقى الأستاذ أمجد خطابا بتلك المناسبة. ومما جاء فيه: "لقد كان لزاما عليَّ يا سادتي المجمعيين أن أمثل بين أيديكم مقرا بفضلكم قبل عشرة أعوام وهي حقبة ما أطولها في عمر ما أقصره "[3] (2) .

موضوع الخطاب :

الحديث عن الشاعر السوري الكبير محمد البِزِم (3)، وهو أحد أعضاء المجمع الذين انتقلوا إلى رحمة الله ، وظل المجمع ينتظر قدوم الأستاذ أمجد؛ ليحدثه عنه، كما جرت التقاليد المرعية؛ باعتباره تلميذاً له، وأقرب الناس إليه، وأعرف الناس بأحواله.

وأول ما بدأ به الأستاذ أمجد هو اعتذاره عن تأخير هذا الخطاب عن موعده مدة عشر سنوات، فقال:" ألتمس من روح محمد البَزِم وذكراه العزيزة قبول صادق عذري، قبل أن أتوجه إلى السادة المجمعيين بخالص شكري. فلقد كان من حق (أبي صفوان) عليَّ أستاذاً وسَلَفاً، ومن واجبي نحوه تلميذاً وخلفاً؛ أن أقوم مقامي هذا قبل عشرة أعوام متحدثا عنه ممجداً ذكراه؛ ولكن عواديَ وجروحاً، ما كان أقساها، عَدَتْنِي أن أفِيَ بهذا الحق "[1].

والأستاذ أمجد يشير هنا إلى فشل الوحدة بين سوريا ومصر، وما كان لها من أثر سيئ على نفسه كل هذه المدة.

ولقد تم في هذا الخطاب تقديم محمد البزِم بمستوىً رفيع، يليق بوفاء التلميذ لشيخه؛ ويقربنا بصورة دقيقة من شخصية الأستاذ البزِم في أبعادها الجسمية والنفسية والخلقية والاجتماعية والأدبية منها بشكل خاص. ولا يكتفي هذا الخطاب بهذا؛ بل يقدم لنا لمحات مشرقة عن التلميذ أمجد في مراحل صباه الأولى وعلاقاته بالمجمع، وما تميز به من أخلاق سامية، وحس نقدي عميق في فهم أشعار أستاذه. فهو خطاب بقدر ما يحمل إلينا صورة من الأستاذ الشاعر محمد البزِم؛ يحمل إلينا كذلك صورة عن أستاذنا أمجد في أبعادها الإنسانية والأدبية، كما يحمل إلينا بعض آرائه في قضايا مختلفة؛ وردت عرضاَ أثناء تقديمه لأستاذه محمد البزِم.

وقد استرعى انتباهي ما ورد في هذا الخطاب من مشاعر ظلت دفينة في نفس الأستاذ أمجد؛ مشاعر تكشف عن جوانب من شخصيته في أبعادها الإنسانية والعلمية. وقد اخترت في هذه الكلمة أن أقف عند مجموعة ملاحظات اقتبستها من خطابه هذا،  ورتبتها تبعا لأطوار حياته وأحداث عصره. وهي في مجملها تذكرنا بملامح من شخصية علم من أعلام العروبة في النصف الثاني من القرن العشرين، قضى بديارنا قرابة ثلث قرن (من سنة 1962- 1993 ) . وسأُجمل محتوى هذا الخطاب في عدة ملاحظات :

ملاحظة أولى: علاقة الطفل أمجد بالمجمع.

من المبررات التي قدمها الأستاذ أمجد عن غيبته عن المجمع كل هذه المدة التي أصبحت تزيد عن عشر سنوات؛ تلك المأساة القومية التي حلت بأبناء جلدته. وذكَّر المجمعيين بما ظل يحمله من اعتزاز بانتسابه إلى المجمع، وارتباطه به منذ طفولته الأولى.

 فكيف كانت علاقة الأستاذ أمجد بالمجمع خلال تلك الفترة الأولى من حياته؟

 يقول الأستاذ أمجد:

 "كان لي هذا المجمع منذ تفتحت عينايَ على أدب العرب، وتمرَّسَ لساني بلغة العرب؛ وطناً في وطن وأهلاً إلى أهل. في "ظاهريته" [خزانته] تعلمتُ كيف أقرأ، وفي ندواته ومحاضراته تعلمتُ كيف أفكر وكيف أسمع.

لا أذكر على وجه التحديد متى بدأ تردُّدي على قاعة الظاهرية ومحاضرات المجمع، فقد غاصت ذكرياتي عن كل هذا مع كل ما غاص في الماضي من خيالات الطفولة وصور الصبا. ولربما تسربتُ إلى هذه المرابع وأنا تلميذ في (تطبيقات عنبر) أحبو إلى الحادية عشرة من سني. حتى إذا ما انتقلت بعيد ذلك إلى (ثانوية عنبر) أخذتُ أنهل من مورديْن سائغين، وأتعلمُ في مدرستين توأمين" [5].

وهذه نغمات منبعثة من ذكريات أمجد لا تحتاج منا إلى تعليق.

ملاحظة ثانية: مشاهدة الطفل لتكريم الشاعر حافظ إبراهيم

ومن الصور التي بقيتْ تتراقصُ في مخيلة الأستاذ أمجد، وهو يومها في الثالثة عشرة من عمره؛ مشهد الحفل الذي أقامه المجمع عام 1929 تكريماً للشاعر المصري حافظ إبراهيم، شاعر النيل [محمد حافظ بن إبراهيم:1871-1932]، وبصحبته يومئذ خليل مطران [ خليل بن عبده بن يوسف مطران: 1971-1949]، وكان حافظ الشاعر القومي لمصر آنذاك. ولعل النزوع القومي انبثق في نفس أمجد الطفل منذ تلك المرحلة من حياته.

 فماذا بقي من آثار ذلك الحفل في ذاكرة المرحوم؟ يقول الأستاذ أمجد :

" وما زلتُ  أتبين بوضوح، وأنا أكتب هذه الأسطر، صورة شاعر النيل بقامته الفارعة، ووجهه الحِنْطي وطربوشه (المشطوح) ووسام الاستحقاق السوري المتلألئ على صدره، وعينيه المغرورقتين بدموع الرضا، وهو ينشد بصوته المتهدرج خلف المنصة في صدر حديقة هذه الدار، فوق الدرجات المؤدية إلى القاعة المقابلة لهذه القاعة التي نحن مجتمعون فيها الآن:

شكرتُ جميل صُنعكم بدمعي           ودمعُ العيْنِ مقياسُ الشعورِ

لأول مرة قد ذاق جفنـــي           على مذاقه دمعُ الســرورِ

وكم أتمنى يا سادتي لو أقول لكم مثل هذين البيتين الرائعين؛ إذاً لاستغنيت بهما عن كل هذه الصفحات التي أسوِّدها"[5].

ظلت ذاكرة الأستاذ أمجد تحتفظ بتفاصيل ذلك اللقاء، وببيتين من قصيدة حافظ يلتقي فيها شعوره بشعور حافظ يوم استقباله بالمجمع.

ملاحظة ثالثة: ثانوية عنبر في وجدان التلميذ أمجد

اعتبر الأستاذ أمجد ثانوية عنبر، التي التحق بها سنة 1927، توأما للمجمع في تكوينه، كما رأينا أثناء الحديث عن علاقته منذ صباه بالمجمع. وهي ثانوية تخرَّج منها كثير من الأدباء والعلماء والمصلحين في بلاد الشام. ويرى الأستاذ أمجد أن اسم هذه الثانوية منقوش في قلوب الآلاف من أبناء الشام. ويقول:" وكانت هذه المدرسة حين انتسبت إليها تضم في عِداد أساتذتها ثلاثة من فحول العربية، كلهم أساتذتي، وكلٌّ منهم علي من الفضل ما لايسعه عرفاني بالجميل. اثنان منهم كانا عضوين عاملين في المجمع هما: عبد القادر المبارك وسليم الجندي ، والثالث كان يشق طريقه إلى المجمع وهو محمد البزِم : أعلام ثلاثة أحالوا المدرسة آنئذ إلى مجمع آخر بعلمهم الغزير ودروسهم الشيقة" [6].

ملاحظة رابعة: تقديم أمجد لأستاذه محمد البزِم [1884-1955] إلى المجمع

كان على الأستاذ أمجد أن يتولى الحديث عن أستاذه محمد البزِم منذ أن التحق بالمجمع؛ لأنه سلفه وأستاذه، ولأنه حل بالمقعد الذي كان يشغله؛ ومن تم افتتح خطابه بالتماس العذر من روح أستاذه، قائلاَ : " فقد كان من حق أبي صفوان عليَّ أستاذاً وسَلَفاً، ومن واجبي نحوه تلميذاً وخلفاً؛ أن أقوم مقامي هذا قبل عشرة أعوام مُتحدثاً عنه مُمجداً ذكراه؛ ولكن عواديَ وجروحاً، ما كان أقساها عَدَتْني أن أَفِيَ بهذا الحق " [ 1 ].

فعُذر الأستاذ أمجد أن المأساة القومية وآلام النكسة حالت بينه وبين الوفاء بهذا الحق، وقال لو أن أستاذه مارس بعض ما مارس لأقرَّه على موقفه.

ومحمد البزِم ولد بدمشق وأصله من العراق، شاعر وعالم بالعربية، له إلمام واسع بالمذاهب النحوية. تخرَّج على يديه عدة أدباء، وقد انتُخب عضواً بالمجمع العلمي العربي بدمشق. وقد أُتيح للأستاذ أمجد كما يقول أن يكون قريباً منه خلال سبع سنوات.

فكيف تناول الأستاذ أمجد شخصية  أستاذه هذا ؟

" طولٌ فارعٌ، وطَلْعة جميلةٌ ومَهيبَةٌ، وجَبهة مرفوعةٌ لا تعرف الإطراقَ، وقلبٌ ذكيٌّ، وبديهة حاضرةٌ، ولسانٌ ماضٍ ذَرِبٌ لا يلينُ لغير الفُصحى. يعرف كيف يأسو وكيف يَقطعُ، وكيف يرقي وكيف يلسَعُ، وشخصيةٌ عنيفة التحدّي؛ فيها من الأعرابية العُنجهيةُ والخشونةُ والصراحةُ، ومن الصحراء الوُضوحُ والصفاءُ والصلابةُ " [ 6].

ويَرُدُّ الأستاذ أمجد هذا الترفع في شخصية  أستاذه إلى عِصاميته الثقافية وانفلاته من غِمار الأُمّيين، وما بَذَله من مجهود في تثقيف نفسه وإصراره على المطالعة والفهم؛ حتى قال عنه الأستاذ أمجد : " كان من جبابرة المطالعة الجدية القاسية، يُكثِرُ من قراءة الأمهات في الأدب واللغة حتى ندُر ما يقرأُه منها " [ 11].

 

ملاحظة خامسة: من آثار الأستاذ على تلامذته ومنهم أمجد

(1) في المجال الأخلاقي : " رحمه الله كِفاءَ ما طَبَعَ عليه طلبتَه ومريديه من صلابة الخلق، وما بثه فيهم من إباء " [ 1].

(2) العناية بالطلاب : تنمية حِس الحرية لديهم وتشجيعهم على الجد والتحصيل : "كان يأبى إلى أن يُعْدِيَ تلاميذه بأصالته، فيفتح أمامهم باب المناقشة، منميا فيهم حس الحرية، مشجعا عندهم جرأة الفكر، معززا لديهم الثقة بالنفس" [19].

- "ولم أعرف بين معلمي أثناء مرحلة دراستي كلها من كان يشجع طلبته، ويدفع بهم دفعا إلى الجد والتحصيل مثله "[20].

(3) منهجية البزِم في تدريس القواعد: قال عن منهجه في تدريس النحو، وكان أستاذه من المجتهدين في تصور منهجية تدريس النحو:" كان يملي علينا الشعر الكثير، معظمه من نظمه وأقلُّه من شعر فحول القدامى. ثم يطلب منا أن نفهم ونشرح ونعرب؛ حتى إذا سنحت لنا الفرصة لتقرير قضية ما، أملاها علينا (فائدة) مصوغة في أوجز عبارة وأسلسها وأوضحها، مع طرافة في التأويل وجدة في التعبير في غالب الأحيان"[18].

يقول الأستاذ أمجد عن تصور البزِم لمادة النحو في غايتها ومقاصدها:"النحو عنده وسيلة لامتلاك اللغة، لا غاية تقصد لذاتها. والإعراب الصحيح عنده نتيجة الفهم الصحيح"[17]

ومن هنا قال عن طريقته هذه في تدريس النحو أنه كان يجعل " هدفه الأوحد من تدريس قواعد اللغة، أن يحسن التصرف بها فكراً وكتابةً وحديثا، لا أن يحشو دماغه المتوثب الخصب بالتعريفات والقواعد المجدبة "[19]

"ولا أذكر أنني رأيت البزِم خلال السنتين اللتين تلمذت له فيهما يقرر درسا خالصا في النحو"[18].

ملاحظة سادسة : مكانة الأستاذ في نفس التلميذ أمجد

هناك عبارات في هذا الخطاب تطفح بالوفاء، ولا تصدر إلا من أمثال أمجد. أقتطف منها ما أشار إليه من آثار هذا المعلم في نفسه، وما كان يحس نحوه من التقدير والإجلال:

- " ما كنتُ إلا المريد الوفي بالعهد، والبار بالتعاليم"[1]

- " إن البزِم معلمي ومرشدي"[20]

- "المعلم الذي طبعني على عشق العربية ونشَّأَني في علومها"[21].

ملاحظة سابعة: من آثار اهتمامات الأستاذ على الطالب:

    أولا : الاهتمام بأبي العلاء المعري:

لقد استفرغ محمد البزِم مجهوده في دراسة النحو ومتونه وشروحه، ورغبةً منه في تذليل النحو وتخليصه من التعقيد؛ ذهب يُفنِّد آراء النحاة وأقوالَهم، وشرع في وضع كتاب عنوانه ( الجحيم )؛ راح ينحو فيه نحو أبي العلاء في ( رسالة الغفران )، وخصص جحيمه للنحاة. وذكر البزِم أن أبا العلاء كان هو الذي فتح عينيه على عبث بعض النحاة وتلاعبهم (4).

" وما أكثر ما كان يتوعَّد القدماءَ والمُحدثين مِمَّن يظن بهم تجارة النحو؛ أن يقف بهم إلى قعر جهنم كما فعل ( دانتي )؛ حين ألقى بخصومه السياسيين وبعدد من رجال الكنيسة وتجار الدين، في أطباق جحيمه في ( الكوميديا الإلهية ) " [ 13 ].

ويقول الأستاذ أمجد بعد أن اطلع على كتاب الجحيم مخطوطاً : " أما منطلق فكرة كتاب الجحيم فيجب البحث عنه في (غفران ) أبي العلاء، وفي أفكاره المبثوثة في تصانيفه الأخرى ولا سيما ( اللزوميات )"[ 15 ].

والأستاذ أمجد تعلق بأبي العلاء تعلقاً يدعو إلى التساؤل عن سر الاهتمام به؛ إن لم نقل عن أوجه التشابه بينهما. فقد كان الأستاذ أمجد أول من تناول " النقد واللغة في رسالة الغفران"، في كتاب يحمل هذا العنوان [ط1، دمشق، مطبعة الجامعة السورية، 1951]، وحقق كتابين من كتب أبي العلاء هما: "زجر النابح" و " الصاهل والشاحج"؛ الأول منهما طبعت منه مقتطفات [ط1، دمشق، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1965]، أما الثاني فلم يعرف النور، ولم تبق عنه إلا دراسة، نشرت في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1974، وتقع في ثمان وثلاثين صفحة. ولا شك أن يكون قد حقق مقدمة (اللزوميات) التي كانت له بها عناية خاصة. وما أظن أنه قرأ كتابا من كتب التراث ولم  يُجْرِ عليه تصويبات، أو ما يراه أقرب إلى الحقيقة فيما اعتبره صاحب التحقيق تحقيقاً .

 ثانيا: النزعة القومية بين الأستاذ والتلميذ

فهو الذي طبعه على حب العربية ونشأه في علومها، كما رأينا. وفي حديث الأستاذ أمجد عن البزم الشاعر، قال:" هو في عصره بلا ريب شاعر العربية والعروبة، يذود عنهما ويملأ فمه بمفاخرهما، ويرفع رأسه اعتزازا بالانتماء إليهما، فيقول:

لو كنتَ تَشهدُها والدهرُ ذو غَنَجٍ

                             رَخْص المَعاطفِ يَسعَى في نوادينا

لرُحتَ تحسب أن العُرْبَ ما عرفت

                          أصولُهم كالورى مـــاءً ولا طينا

كأنهم من لباب النور قد جُــبلوا

                             أو الأثير الذي ما زال مظـــنونا [21]

وبعد فشل الوحدة العربية بين سوريا ومصر، ظل الشعور القومي يمور في نفس الأستاذ أمجد ؛ دون أن يفصح عنه في محاضراته؛ ولكنه حوَّل ذلك الشعور في الجامعة المغربية إلى اعتزاز بالتراث العربي. فقد حفر حب العربية في النفوس، وجعل الأرواح تعتز بالانتماء وتختال بين خمائل القيم العربية. وظل الأستاذ ينشد العزة لأمته، ويتطلع إلى عودة الحلم الموءود، ومما قاله في هذا الخطاب تحت تأثير هذا الأمل: " إنني أمثُلُ بين أيديكم اليوم وأمَلُ الوحدة قد أشرقَ من جديد، وترامى إلى آفاق عربية أرحب. فعسى أن يكون فجراً لنصر قريب يتنسم فيه بنو قومي روح العزة، ويرفعون فيه جباها ما خُلقًتْ إلا لتُرْفَعَ" [4].

 والجانب القومي في حياة الأستاذ أمجد وفي شعره يحتاج إلى وقفة خاصة.

وكان من الآمال التي تسعد الأستاذ أمجد أن يقدم دراسة علمية منهجية لديوان محمد البزِم ذات يوم. أيكون أستاذنا حقق هذه السعادة، وضاعت بضياعه؟ أما أن عنايته بالتأطيرفي المغرب حال دون تحقيق أمثال هذه الآمال؟

ملاحظة ثامنة: موقف أمجد الوزير من قرار المجمع في حقه

اجتمع أعضاء المجمع في الثامن والعشرين من شهر أيار/ماي من عام1960 م، وقرروا انتخاب كل من د. عدنان الخطيب و د. أمجد الطرابلسي، ورفع القرار إلى وزارة الثقافة للمصادقة عليه، وكان المجمع تابعا لها. وكان الأستاذ أمجد يشرف آنئذ على الوزارة المذكورة، فقدم إليه القرار للمصادقة عليه. فما فعل الأستاذ أمجد؟ يقول: " فسارعت، والسرور يغمر نفسي، إلى إمضاء قراركم بتسمية زميلي الدكتور عدنان الخطيب، ولم أجد من المناسب وإن كان قراركم يشرفني في حد ذاته أن أمضي قرارا يتعلق بي شخصيا؛ فأكون كمن يزكي نفسه، وآثرت أن أترك الأمرَ لمن يخلفني"[3]. ولم يتم انتخاب الأستاذ أمجد إلا بعد صدور قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة. وتلك مواقف لا تقع في التاريخ إلا كان وراءها أمثال أمجد الطرابلسي.

ملاحظة تاسعة: مجموعة آراء وردت في خطاب الأستاذ أمجد، منها:

(1) - " لو" ليست سوى البساط السحري الذي يمتطيه خيالنا المترنح حين يضيق ذرعا بهذه الحتمية التي يسمونها المصادفة"[8].

(2 )- "القدرة على التعبير الكتابي لا بد أن تدعمها دراسة منظمة للغة واطلاع كاف على قواعدها وتمرس بأساليبها"[9].

(3)- معنى الأصالة: "معناها اللغوي يعني الانتماء إلى الأصول والتمسك بها ومعناها المولد يعني الطابع الشخصي المميز"[11].

(4) - موقفه من السلف وطريق تقدم البشرية:

"السلف لا ريب، موضع احترامنا، وآثارهم موضع اعتزازنا، وويل للأمة لا تطبع أبناءها على هذا الاحترام، ولاتعودهم على الاعتزاز. ولكن احترامنا السلف يجب أن يكون احترام الأحرار، واعتزازنا بآثارهم يجب أن يكون اعتزاز الأعزة، فإذا انقلب الاحترام تعفيرا للجباه، أو غدا الاعتزاز جَثواً على الركب، كان الشلل فالجمود فالموت. وسيكون من حسن حظ حياتنا الفكرية اليوم وغداً أن يسودها ما ساد تاريخنا الفكري بالأمس من إجلال للماضي والماضين، مع تبصر فيما اعتور الماضي من قوة ووهن، وعلم بما في أقوال الماضي من صواب وخطأ، وأن يدعم كل هذا إيمان متفائل بقدرة الإنسان أن يتفوق على نفسه في كل لحظة. فهذا هو طريق تقدم البشرية، ولا طريق سواه"[17].

(5) - الشعر بين الصعوبة والسهولة:

 "ليس صحيحا ضرورة أن الشعر لا يسمو فنيا إلا إذا صعب مناله؛ فلم يفهمه إلا خاص الخاص. وقد يكون في الوقت نفسه غاية في الكمال الفني. ومن يدري؟ لعل السهولة في الفن أصعب من الصعوبة وأجدى. ولأمر ما كان نقادنا القدماء يشيدون بالسهل المُطْمِع والسهل الممتنع "[28].

(6) - خلود الأثر الأدبي

 " إن الأثر الفني لا تثبُت جدراته بالبقاء إلا إذا فرَض نفسَه على الأجيال المتعاقبة، وظفِر بإعجابها على مدى عصور طويلة. ولهذا جعلوا من الحكمة أن نتروَّى في تقويم الآثار المعاصرة، وأن نكتفيَ بفهمها ودراستها والكشف عن خصائصها، متجنبين كل تسرُّع إلى تمجيدها أو الحط من شأنها؛ تاركين للزمن وحدَه أن يكون الحَكَمَ الفصلَ في قدرتها على البقاء أو عجزها عنه " [ 31 ].

(7) -  إنسانية الأدب هي جوهره :

" المُتَخَيَّر القديم الخالدُ سواء كان عربيا أو يونانيا أو منتميا إلى أي أدب عالمي، إنما نَلَذّهُ اليوم ونسيغه لأنه من أحد جوانبه تعبير فني موفق عما في الإنسان من جوهر إنساني أصيل لا يتغير، ولأنه من جانب آخر يرتبط في أذهاننا لا شعوريا حين نعاود قراءته بالعصر الذي قيل فيه. هذا الارتباط اللا شعوري مضافا إلى التعبير عن الجوهر الإنساني هو الذي يجعلني اليوم أقرأ (قفا نبك) لامرئ القيس فأطربُ كما تجعلني أقرأ وأشهد مآسيَ سوفوكل ومهازل موليير وفواجع شكسبير فأفرح وأحزن[31 - 32].

كانت هذه وقفة قصيرة مع هذا الخطاب، آمل أن يجد فيه طلبة الأستاذ أمجد أصداء من أفكاره ومواقفه، كما يجد فيه القراء عامة متعة وفائدة.

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثالث

من مواقف الأستاذ أمجد الطرابلسي وأوائله

 

أولاً : من مواقفه

                           

الموقف الأول : هو موقف جيل أمجد : الإيمان بالعمل وحب الوطن.

 

وقد تحدث عنه د. شكري فيصل عندما قال في حفل استقبال الأستاذ أمجد في مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1972 :

" كان من هذا الجيل الذي يؤمن بالعمل فوق ما يؤمن بالنظر، والشعارات عنده لا تقوم مقام التطبيق، والأمنية لا تنقلب بالترداد واقعاً، والنصر ليس أُنشودة.

كان من هذا الجيل الذي لا يوازن بين حق الوطن وحق المواطن؛ ولكنه يعطي الوطن قيمة صوفية عميقة مجردة؛ تتضاءل كل قيمة أخرى أن تطاولها، بله أن تقاسمها الوجود من هذا الجيل المؤرَّق الذي يحمل هموم أمته على كتفيه "(1).

وقد  لمس فيه طلبته التفاني في العمل دون ادعاء ، ومعاناة التصحيح بصبر ودأب ، ومناقشات علمية تكشف عن خبرته في مجالات الثقافة العربية ، وترسم آفاق البحث العلمي الصحيح في الوطن العربي .

 

الموقف الثاني : رسالته في الحياة تكوين الأجيال

 

كانت السنوات التي قضاها أستاذاً بالتعليم الجامعي بين سوريا والمغرب من أسعد حياته، وهي سنوات تمتد حوالي اثنتين وأربعين سنة ( 12 في سوريا + 30 في المغرب ) قضاها في جهاد مستمر من أجل ترسيخ كيان ثقافة أمة؛  ظل ينشد لها العزة بين شعوب الأرض ، يعمل بتفانٍ على ترسيخ ثقافتها وتعميق أصالتها في نفوس الشباب العربي، وكان فيها مثالاً للأستاذ الذي يحمل أعباء أمة بكاملها، أخلص في تكوين الأجيال، وأهدر كل حق لذاته من أجل  تكوين جيل جديد يتولّى قيادة الوطن العربي. ويذكر د. شكري فيصل أن الأستاذ أمجد كان يدخل إلى الجامعة في الصباح ثم لا يخرج منها إلاّ مع الليل، وبين ذلك ساعتان قصيرتان للطعام والبيت.

 من أجل الأستاذية في أرقى قِيَمِها ترك الشعر ولم يعد يحفل بنشره؛ إلاّ ما احتفظ به لنفسه .

من أجل الأستاذية صحّح آلاف البحوث خلال سنوات الدراسة، وكان الأستاذ الذي عُرف بهذا التصحيح على امتداد تاريخه في جامعتنا.

من أجل الأستاذية آثر المحاضرات ودراسة النصوص وفتح آفاق الأدب المقارن.

 من أجل الأستاذية ابتعد عن الأضواء وصان للعلم كرامته وحرمته.

من أجل التكوين والتوجيه وتصحيح أوراق الفروض، وتصحيح الرسائل والأطروحات؛ انصرف عن تأليف الكتب وتحقيق المخطوطات إلى العناية بتكوين الأجيال.

 وقال د. شكري فيصل مخاطبا د. أمجد : " ولكنك أدركتَ في إيثار مؤثِّر خيِّر عميق، أن الكليات الناشئة تحتاج إلى كثير من التقاليد أكثر مما تحتاج إلى كثير من الكتب. إن النموذج الحي ممثلاً في الإنسان الذي تصنعه أبعد أثراً في الهداية من الكتاب الذي ننشره. إن سُمعتَها الصحيحة - هذه الكليات - ليست في عدد الكتب التي تطبعها بقدر ما تكون سُمعتها في دروسها التي تُجدِّدها ونماذجها البشرية التي تصوغها " (2).

وقد ذكر في أبريل 1985 بمناسبة تكريمه بكلية الآداب بمراكش، أنه وضع مؤلفا أسماه " جواهر الألفاظ"، على غرار كتاب قدامة بن جعفر ؛ جمع فيه بعض الأخطاء التي استخرجها من الرسائل والأطروحات، ولا يُعرف مصير هذا المؤلف الآن.

 

 الموقف الثالث : موقف أمجد الوزير من قرار المجمع في حقه

 

اجتمع أعضاء المجمع في الثامن والعشرين من شهر إيار/ ماي من عام 1960،  وقرروا انتخاب كل من د. عدنان الخطيب ود. أمجد الطرابلسي، ورُفع القرار إلى وزارة الثقافة للمصادقة عليه، وكان المجمع تابعاً لها. وكان الأستاذ أمجد يُشرف آنئذ على الوزارة المذكورة؛ فقُدِّم إليه القرار للمصادقة عليه. فما فعل الأستاذ أمجد ؟ يقول : " فسارعتُ، والسرور يغمُر نفسي، إلى إمضاء قراركم بتسمية زميلي الدكتور عدنان الخطيب، ولم أجد من المناسب – وإن كان قراركم يُشرفني في حد ذاته – أن أُمضيَ قراراً يتعلق بي شخصياً؛ فأكون كمن يُزكّي نفسه، وآثرتُ أن أترك الأمرَ لمن يَخلُفني " [ 3 ].

ولم يتم انتخاب الأستاذ أمجد إلا بعد صدور قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة. وتلك مواقف نادرة في تاريخ الرجال إلا إذا كان وراءها أمثال أمجد الطرابلسي.

 

الموقف الرابع : عثوره على  مخطوطة  " زجر النابح  "

 

فماذا قال الأستاذ أمجد يوم عثر على  تلك المقتطفات في الجزء الأول من ديوان لزوم ما لا يلزم " ؟ ماذا قال وهو يكتشف هذا الأثر العلائي بقسم المخطوطات في المتحف البريطاني ؟ قال : " وقد أشار بروكلمان إلى هذه النسخة المخطوطة من اللزوميات دون أن يشير إلى ما تضمنته هوامش صفحاتها؛ مما يدل على أنه لم يطلع على هذه النسخة بنفسه، وإنما ذكرها نقلاً عن فهرس المخطوطات العربية في المتحف البريطاني، الذي لم يشر هو أيضاً إلى هذه المقتطفات القيمة في هوامش النسخة، بل اكتفى بالإشارة إلى أن المخطوطة تحتوي على الجزء الأول من " لزوم ما يلزم " (3).

 قال الأستاذ هذا بكل هدوء، ولم يذكر أنه كان أول من اكتشف هذه المقتطفات في العصر الحديث، وأول من نبه إليها وقدم عنها دراسة دقيقة. وعلى كل فليس الأستاذ أمجد من يفعل هذا ، فهو في هذه الأمور أزهد من الزهاد .

 

الموقف الخامس : موقفه من العنف في الجدل

 

لاحظ الأستاذ أمجد  في النقد الذي قدمته لأعمال السابقين في موضوع الأثر اليوناني في النقد العربي، أني استعملت بعض العبارات القاسية في دفع بعض الآراء؛ فدعاني إلى التخفيف منها وحذف بعضها. وقال لي يومها إن الباحث يمكن له أن يعبر عما شاء دون أن يلجأ إلى مواجهة الآخرين. وقال في مناقشة البحث بتاريخ : 29/5/1991 : " وما كان يَضيرُ سمعةَ الصاحب بن عباد الأدبية لو حذف بعض العبارات النابية من رسالته في تجريح المتنبي ؟ وما كان ينقص مجد مصطفى صادق الرافعي لو لم يُخرج كتابه ( على السفود ) ليَشوِيَ عليه تِرْبَه في المجد والخلود : عباس محمود العقاد ؟

أما أنا العبد الضعيف، فقد حرصتُ حياتي كلَّها أن أبقى في دائرة الحوار العلمي العفيف مهما استُثِرْتُ، وإذا خاطبني الجاهل قلتُ سلاماً، هذه هي تعاليم ديننا : { آدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربَّك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } [ النحل : 125 ] . { ادفع بالتي هي أحسنُ فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميمٌ } [فصلت : 34] (4)

وقد طبع هذا الجانب المتعلق  بدراسة السابقين في كتيب يحمل عنوان مسألة التأثير الأرسطي لدى مؤرخي النقد والبلاغة العربيين [ المطبعة والوراقة الوطنية ، 1999 ] .

 

 الموقف السادس : موقفه من طالب مسؤول في التعاضدية

 

 ونقل هذا الموقف الأستاذ حسن لمنيعي - مذكرا بما كانت تعرفه كلية الآداب بفاس من غليان سياسي، ومن حضور ممثلي الطلاب في مداولات الامتحان- وقال : "ومن غريب الصدف أن طالباً مسؤولاً رسب في مادة النقد. وحينما اشتد غضبه وغاص في أغوار الاحتجاج الهذياني، قدم إلى الكلية لا مستفسراً عن سبب رسوبه ؛  مهدّداً بخنجره قتل الأستاذ أمجد، لكن هذا الأخير أخذه برفق وهدوء إلى قاعة المداولات، ثم أطلعه على ورقة إجابته وعلى ما تنطوي عليه من هنات وثغرات؛ فخرج الطالب متعثراً في مشيته " مذبوحاً من الخجل " (5).

 

 الموقف السابع : ماذا فعل عندما طلب منه أن يتدخل في شأن إداري ؟

 

أرادت الطالبة الباحثة ( رشيدة أوباعز) [ أستاذة بكلية الآداب بمراكش ، حاليا ] أن تمدد الفترة المسموح بها لتقديم النسخ إلى الإدارة، لمدة أسبوع، وكان ذلك فيما يُعرف عندنا بنظام تكوين المكوَّنين، وذلك حتى تتمكن الطالبة الباحثة آنذاك من تصحيح بحثها؛ إذ لم يكن الشهرالممنوح إليها كافيا لتحقيق  ذلك. وطلبت آنذاك من الأستاذ المشرف الذي هو أمجد الطرابلسي أن " يتدخل " لدى الإدارة للسماح لها بتأخير إيداع النسخ لمدة أسبوع، فتأثر الأستاذ أمجد من هذا الطلب، واستشاط غضباً، وتغيرت ملامحه ، وتأثر غاية التأثر، وقال لها : لم أقف هذا الموقف، ولن أقفه ما حييت. ولن أقف هذا الموقف ولو كان الأمر يتعلق بي شخصيا. ولم تنس الأستاذة رشيدة ما لاحظته من أثر كلمتها في نفسه ، وظلت تتذكر موقفه هذا  .

 

ثانياً :أوائل الأستاذ أمجد الطرابلسي(6)

 

1 - من أوائله في الشام

 

- كان أول طالب سوري يحصل على أول دكتوراه في النقد الأدبي القديم، من الصوربون في أوائل سة 1945، وكان ذلك تحت إشراف المستشرق الفرنسي ريجيس بلاشير (1900-1973م).

 - كان أول أستاذ تمَّ تعيينه بكلية الآداب، جامعة دمشق سنة 1946.

- كان من أوائل الأساتذة السوريين الذين كان لهم شرف المبادرة إلى إنشاء كلية الآداب بدمشق، إلى جانب كل من شفيق جبري (1980) وسعيد الأفغاني. وكان من أوائل الذين وضعوا لها المناهج وأصلوا دراستها وتقاليدها.

- أول من أشاع في الجامعة السورية أمر دراسة النصوص والانطلاق منها؛ أي البدء من النصوص، واعتمادها في الفهم والاستنتاج والتأويل. وقد قال في بداية كتابه النقد واللغة في رسالة الغفران للمعري؛ إن إيراد النصوص المختارة يكون أدعى للثقة في نتائج البحوث، وتكون هذه النتائج مستمدة منها. كما أن الميل الأدبي الحقيقي إنما يتكون في نفس الطالب عندما ترتبط بينه وبين كنوز أدبنا القديم روابط الألفة الصحيحة.

-  أول من تناول جانبي النقد واللغة في رسالة الغفران للمعري، في كتاب يحمل هذا العنوان، طبع سنة 1951 . وكان هذا الكتاب منطلقاً لكثير من الدراسات.

- كان الأستاذ أمجد أول من صاغ لمادة المصادر كتاباً بعنوان : " نظرة تاريخية في حركة التأليف عند العرب "، وهي دعوة إلى الاتصال بالنصوص.

-    أول من اكتشف من الباحثين في العصر الحديث مخطوطة كتاب " زجر النابح " لأبي العلاء المعري، وكان ذلك سنة 1954 وأخرجه محققا سنة 1965 .

 

2 – من أوائله في المغرب

 

-  أول من فتح عيون الطلبة المغاربة على النقد العربي القديم : على نصوصه ومصادره وقضاياه وأعلامه، وكان من جملة أولئك طلبة التعليم الأصيل بكلية اللغة بمراكش.

- أول من جعل ضبط القراءة منطلقاً للفهم في الجامعة المغربية، وأشاع في دروسه ومناقشاته واختباراته ضرورة الضبط في قراءة النصوص وتحقيقها وفِقهِها فقهاً عربيا  قبل أي تحليل لها؛ وجعل فقه الكلمة العربية أساسَ كل فهم للنص، وفقهَ الكلمة لمحةً من ثقافة أمة، ولحظةً في سياقها الحضاري العام.

وغاية الرجل بناء أوليات الثقافة العربية، على أسس متينة؛ فلا تشيَّد الأبنية الفكرية بغير وضع تلك الأوليات. فكان الأستاذ أمجد أول من دأب طيلة إقامته بيننا على ترسيخ ذلك البناء في الجامعة المغربية. وظل يحتكم إلى النصوص دون أن يُلوح  بالتنظيرات التي لا تبررها تلك النصوص ، وكان ذلك في زمن استفحلت فيه الإديولوجيات بكل جراثيمها وانحرافاتها . فظل الرجل في الجبهة لا يأبه بالمفرنقات الموسمية ينتصر للغة القرآن بكبريائه المعهود .

-  أشرف على أول رسالة في التعليم الجامعي بالمغربي، رسالة د. محمد بن شريفة سنة 1964 ( أبوالمطرف أحمد بن عميرة، حياته وآثاره )

- أول أستاذ ظل يُعطي فروضاً لجميع طلبته خلال السنة الدراسية، ويتولى تصحيحها بصورة غير معهودة. وما يزال أغلب طلبته يحتفظون بها، ويعتزون بها. ومنهم من لا يزال يعتبرها وثائق في التصحيح.

-  في مجال الشعر، كان من أوائل من قدموا رؤية قومية وسياسية من خلال قصائده : أتاتورك – المتنبي – جهاد فلسطين.

- أول باحث أدخل مادة الأدب المقارن إلى الجامعة المغربية[ بين رسالة الغفران والكوميديا الإلهية - الخصومة بين القدماء والمحدثين بين النقد العربي والنقد الفرنسي ]

- أول أستاذ قدّم النموذج لطرق مناقشة الرسائل الجامعية، وتعددت أساليبه في ذلك؛ فكان القدوة وكان المثال. فرسم للمشهد أكاديميته وجلاله وأساليبه في الكشف عن الجوانب الإيجابية والسلبية في جهود الباحثين. مع تقديم التوجيهات العامة لمسار العلم والثقافة في الأمة.

- وأول أستاذ في الجامعة المغربية تمثلت فيه الصرامة العلمية والدقة في التصحيح وفهم النصوص، والبعد عن التطرف في المواقف والأحكام. فنال المصداقيه بصدقه.

-  أول مشرقي تفانى في تقويم التعليم الجامعي بالمغرب الحديث، وأول مشرقي كان له هذا التأثير العريض في حياتنا الثقافية، كان له هذا العدد من الطلبة والمريدين في كل أنحاء المغرب، بالرغم من قدوم كثير من الباحثين إلى المغرب منذ الستينيات من القرن العشرين. وكانت لكثير منهم أفضال جديرة بكل تقدير وتنويه.

- وأول أستاذ تحقق حوله الإجماع؛ فكان الأستاذ النموذجي، الباحث العالم، الذي جمع  بين العلم والأخلاق. والسر في الإجماع، أن هذا الأمجد كان من فلتات الزمان، وقلما رأينا الزمان يجود بمثله.

أقول في الأخير : كان أمجد من أوائل علماء القرن العشرين الذين صانوا حُرمة العلم فصانتهم من الابتذال والصَّغار، وأبقوا للعلم مهابته، ولعزة النفس جلالها وقدسيتها. فتعالت هممهم إلى أعلى عليين، وراح في مواكب الخالدين مرفوع الجبين. بمثل أمجد نباهي الأمم، وبه وبأمثاله يتقرر الانتماء إلى الأمة، وبه وبأمثاله تزداد حضارة الإسلام رسوخا، وبه وبأمثاله تقوم الحضارات الإنسانية بسموها وجلالها وإنسانيتها وتسامحها وصدقها.

رحمه الله تعالى برحمته، وجزاه عن خدمة لغة القرآن الجزاء الأوفى.

 

 

 

المبحث الرابع

 

 أمجد الطرابلسي شاعراً

                                                        

تمهيد :

عاصر د. أمجد الطرابلسي نهاية رواد التجديد في نهضة الشعر العربي الحديث ( شوقي : 1968 -1832 وحافظ :1871 - 1932، ومُطران خليل مُطران : 1871 - 1949 ). [ وأتيح له وهو في سن الثالثة عشرة من عمره أن يُتابع تكريم الشاعر حافظ إبراهيم  بمجمع اللغة العربية بدمشق  سنة 1929 ، وكان بصحبة حافظ  إبراهيم  شاعر القطرين خليل مطران ].

 وعاصر مدرسة الديوان التي دعا روادها إلى شعر الوجدان، وكانوا دعاة لتجديد الشعر العربي : عباس محمود العقاد (1889 - 1964 ) وإبراهيم عبد القادر المازني (1890 - 1949 ) وعبد الرحمن شكري (1886 - 1958 ).

 وعاصر المدرسة الرومنسية التي عرفها الشرق كما عرفتها المهاجر الأمريكية بشمالها وجنوبها في النصف الأول من القرن العشرين. وحين بدأ الأستاذ أمجد ينشر شعره في مجلة الرسالة سنة 1934 كانت مجلة أبولو ما تزال تتولى إصداراتها إلى نهاية تلك السنة.

كما عايش عن كثب حركة الشعر الحديث في فترات عنفوانها، منذ مطالع الخمسينيات إلى أن بدأت تظهر بوادر انتكاساتها في بداية التسعينيات من القرن العشرين؛ مع ما رافق ذلك من حركات نقدية قادت نماذج منها إلى متاهات لم تخرج منها حتى الآن.

فما يمكن القول عن شعر الأستاذ أمجد ؟

 

أولا : ما مقياس خلود الأدب عند أمجد الطرابلسي ؟

 

 الجواب أقتطفه مما قاله  في خطاب استقباله بمجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1972 :

- " إن الأثر الفني لا تثبت جدارته بالبقاء إلاّ إذا فرض نفسه على الأجيال المتعاقبة، وظفِر بإعجابها على مدى عصور طويلة " .[31]

- " المُتخيَّر القديم الخالد سواء كان عربيا أو يونانيا أو منتميا إلى أي أدب عالمي، إنما نلذه اليوم ونسيغه لأنه من أحد جوانبه تعبير فنيٌّ موفَّق عمّا في الإنسان من جوهر إنساني أصيل لا يتغيّر، ولأنه من جانب آخر يرتبط في أذهاننا لا شعوريا حين نُعاود قراءته بالعصر الذي قيل فيه " [31-32]

فما يضمن الخلود للأدب - في تصور الأستاذ أمجد -  أن يستطيع ذلك الأدب أن يفرض نفسه على الأجيال المتعاقبة، أن يظل له توهُّجُه وتأثيره وفاعليته على مدى عصور طويلة. وسر الخلود يعود إلى ثلاثة عناصر متداخلة : (1) أداء فني (2) يتجاوب مع ما هو جوهري أصيل لا يتغير في الإنسان (3) ويرتبط  بعصره في أذهاننا لاشعوريا. فإنسانية الأدب تتجلى في تعبيره عن الجوهر الإنساني.

 وهل الشعر ما صعب وغمُض منالُه ؟

يقول أمجد في خطابه المذكور: "ليس صحيحا ضرورة أن الشعر لا يسمو فنيا إلا إذا صعب مناله؛ فلم يفهمه إلا خاص الخاص. وقد يكون في الوقت نفسه غاية في الكمال الفني. ومن يدري؟ لعل السهولة في الفن أصعب من الصعوبة وأجدى. ولأمر ما كان نقادنا القدماء يشيدون بالسهل المُطْمِع والسهل الممتنع "[28].

 

ثانيا : شعر أمجد لم يتسع له صدر الزمان

 

يمكن تقسيم شعر أمجد، من حيث  كميته وامتداده في الزمان إلى ثلاثة أقسام :

-    الأول ما نشر في مجلة الرسالة لأحمد حسن الزيات (1905 - 1968م )، وامتد نشره ما بين سنة 1934  وأواخر سنة 1940. وقد كان الأستاذ أمجد أحد فرسان هذه المجلة خلال هذه الفترة. وما نظمه في سوريا يبدأ بقصيدته " نجوى يتيم " ، وينتهي بقصيدة " الوداع " ، وقد نُشرت بمجلة الرسالة بتاريخ 14 نوفمبر 1938 ، وكتب في تقديمها : " إلى دمشق وأحباي فيها أُهدي آخر ما نظمتُ تحت سمائها " .

 [ وقد جُمِع هذا الشعر الذي نُشِر في مجلة الرسالة ، ضمن بحث لنيل الإجازة في الأدب العربي، أعده الطالبان :  عبد الرحمن الغراز وحافيظ [ كذا]  إبراهيم، بكلية الآداب بالرباط، تحت إشراف د. علال الغازي، السنة الجامعية : 1983 -1884. فقد أثبتا الطالبان الباحثان بمساعدة الأستاذ أمجد نفسه ، وبتوجيه منه ، ما نشره من شعر في الرسالة من أوائل سنة 1934 إلى أواخر 1940، ويقع شعره هذا ما بين صفحة 158 و 337 في البحث المذكور].

-  والثاني ما اختاره من شعر في مجموع أطلق عليه اسم :" كان شاعراً "  [ وهو لا يُسميه ديواناً بل مجموعاً شعريا ]؛ وقد ضمنه مختارات من شعره تتعلق بفترات متباينة ودالة من حياته ، وقال في مفتتحه  : " وينطوي هذا المجموع على أربعين نصاً بين طويل وقصير ، حرِصتُ في اختيارها أن يكون فيه القديم والأقلُّ قِدماً ، وأن تُمثّل المضامينَ التي أدرتُ عليها، والقوالب التي صببْتُ فيها معظم شعري " [ المجموع : 7 ] .

-    والقسم الثالث هو ما لم ير النور، وهو شعر كثير، وقد سألته يوما : هل انقطعت فعلا عن قول الشعر ؟ فأجابني : لم أتوقف قط عن قول الشعر، ولكن لا رغبة لي في  نشر شعري بين الناس. وكان ذلك قبل سنة من رحيله إلى باريس أي سنة 1992.

 

وتحدث إلى قارئه  في مفتتح مجموعه " كان شاعراً " بقوله : "  إنني لا أضَعُ بين يديه ديواناً بل مجموعاً شعرياً قد يتلوه سواه " .

 وأرى أن اختياره لعنوان " كان شاعراً " ، لا يرد به فقط على من كان يجهل أنه شاعرٌ ؛ بل إن هذا العنوان  يُخفي وراءه : وظل بقية عمره شاعراً. ولعل إحساسه هذا هو الذي كان وراء رغبته أن يُثبت في صدر الديوان، وقبل  المعلومات المتعلقة بالطبع والإهداء، ثلاثة أبيات وضع لها " كان شاعرا" عنوانا، وهي :

قالوا : سكتَّ عن الغناء ؟ فقلتُ : لا    في مسمعِ الأكوان رَجْعُ غِنائي

الكونُ لحني كلُّهُ رتَّلْتـــــــه    في نشوَةِ الإِصباح والإِمســاءِ

أَلَّفْتُهُ في آهاتي وتبسُّـــــــمي   فاسْتنشِدوهُ يُعِدْ لكم أصدائــي!

وهي أبيات من قصيدة عنوانها : قالوا : سكت؟ وقد ختم بها مجموعه "كان شاعرا". وهي قصيدة يرجع تاريخها إلى سنة 1939، ونجده يقول في التمهيد لها : "نشرت في صباي عشرات القصائد تم توقفت عن النشر لأسباب نفسية خاصة، فكثرت التساؤلات... والقصيدة صدى تلك التساؤلات. ولقد أخرتها عن موضعها لتكون خاتمة لهذه المجموعة [203].

وفي قول أمجد هذا إشارة إلى أنه قد توقف عن النشر ولم يتوقف عن قول الشعر؛ وإلا فإن مظاهر الوجود تتغنى بشعره كما ورد في قصيدته. والطريف حقا أنه ختم ديوانه بتلك الأبيات الثلاثة التي افتتح بها مجموعه الشعري. فكأن المجموع انتهى من حيث بدأ؛ ليؤكد أن قيثارة الشعر لم تزل تسكب نغماتها على امتداد حياته الجامعية بين كلية الآداب في دمشق وكلية الآداب بالرباط وفاس، وكلية اللغة العربية بمراكش.

ولعل من تلك الأسباب النفسية التي جعلته يتوقف - في تلك اللحظة عن قول الشعر وعن نشر شعره -، ذلك الانقطاع المفاجئ عن أهله وبلده بسبب الحرب، وما خلفه في نفسه من آلام وجراح. ويبدو أنه قد بلغه من بعض معاصريه ما عكّر عليه صفاء نفسه؛ فكتب قصيدته : قالوا : سكت؟ فحرك قوله هذا عروق القصيد في مواجد أمجد، وأثار ماكان يمور في نفسه من إباء وعزة نفس، وهما أمران تميز بهما شعره، وتشكلت منهما حياته، ونلمس هذا الإباء صارخا في هذه الأبيات من القصيدة :

قالوا: سكتَّ عن الغناء؟ فقلت: بل          عن أن أُريق على الجحود وفائـي

ما ضرَّني إن كنتُ عنديَ شاعراً           ألا َيعـــدُّوني من الشـعـراءِ

لا كان قلبيَ إن طلبتُ بذوْبِــهِ            من كـفِّ هذا الدهر بعضَ جـزاءِ

لا كان شعريَ إن رفعـتُ لواءه           بين الأنام على رُفات إبـائِـــي

حـلَّقتُ أرمقُ من بعـيد ساخراً           ذلَّ العبيد الراسِــفين ورائِـــي

إلى أن قال :

فاشمـخْ بأنفك رِفْعَـةً وتمرداً              واسْخَرْ من العَظَمَات والكُبراءِ

فإن قيودكَ قد هَوَتْ من نفسـها            عن ساعديْك هشيمـة الأشلاءِ

هذه القصيدة ينبغي أن تكون من ضمن مقررات الطلبة العرب لعلها تذكرالأجيال بما افتقده آباؤهم من إباء وعزة نفس، حينما أصبح آباؤهم رفاتاً يتجرعون الضيم وهم يرسفون في قيود الهوان ويتجرعون الذل ، ويتراقصون في هوامش العالم .

 

 والمدخل إلى المجموع عنوانه : حنين، وهو من آثار 1985 ، قال في مستهله : " بعد أن طال طيُّ هذه الأوراق ... " . وكأني بالأستاذ أمجد استكثر ما رآه من طي تلك الأوراق، وما تحمله من قصائد ومقطعات عبر سنين عمره. ويبدو أن ما كان يتوهّج في نفسه من الحلم الوحدوي العربي قد توارى في نفسه،  فأحس ببعض الركود في شاعريته فقال :

قلبُكَ الراكدُ كادت تنبُتُ الأعشـابُ فيهْ

وعلى أحنائك التـفَّتْ خيـوط النكبوتْ

وقضى في صدركً الحُلْمُ الذي كان يَتيهْ

وبريقُ العُجْبِ في عيْنيْكَ قد كاد يموتْ

 

وقسم د. شكري فيصل  ( توفي سنة 1985 ) شعر أمجد إلى مرحلتين : ما قبل الرحيل إلى باريس، وما قيل من شعر في باريس.

 

ثانيا : بداية أمجد الشعرية :  

 

بدأ أمجد يكتب الشعر وهو في الثامنة عشرة من عمره، فقد اجتاز امتحان الباكلوريا قسم فلسفة، ونشر ثلاثا من قصائده سنة 1934 ؛ وهي : نجوى يتيم [ في مجلة الرسالة : 16 أبريل 1934 ] وفي كان شاعرا بعنوان خيال أمي غاب [ ، ص:123 ]، وعاصفة في قلب، وعرس في مأتم. وقد كانت بداية متألّقة على صفحات مجلة الرسالة للأستاذ أحمد حسن الزيات، وكان للرسالة آنذاك صدىً واسعاً في العالم العربي.

 وذكر د. شكري فيصل  في حفل استقبال أمجد في مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1972؛ أن المعجزة الأولى لشعر أمجد هيّ أنه لم يعرف مرحلة البرعمة؛ إذ اكتملت له الأدوات منذ نماذجه المبكرة " [ 23 ] .

 

وماذا عن اتجاه أمجد الشعري ؟

 

سأله الطالبان اللذان أنجز ذلك البحث الجيد حوله عن اتجاهه الشعري، فقال :

 " لم أنتَمِِ إلى مدرسة معينة، كل شاعر يبدأ مقلداً إلى أن تتبلور شخصيته؛ إذا كان شاعراً حقاً " [ 121 122 ] .

وأرى أن شعره حمل مظاهر التجديد في الشعر العربي العاصر، وأن شعره كان وليد تجربة إنسانية متفردة؛ طفحت بالغنائية التي حفلت بها مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات، وعانقت تطلعاته القومية، وتجاذب روحه مع الكون عامة. وأجد أن الأستاذ أمجد استبطن ذاته ، وعبر عن مشاعره الإسلامية بصفاء لم يتأت إلاّ للقليلين من أبناء زمانه. وأستطيع القول إن الأستاذ أمجد عاصر جميع تيارات التجديد في القرن العشرين، وقد يبدو لنا، لأول وهلة، أن تلك التيارات اصطرعت في شعره؛ ولكن تجربته ظلت متفردة بوضوحها وعمقها، وبما أسبغه عليها من روحه من صدق وشفافية في الرؤية، وبما أحدثه من تلوينات في الصيغ والأخيلة

 

والإيقاعات الموسيقية. ويوم تُدرس أشعار أمجد سيعرف مؤرخو الأدب العربي الحديث والمعاصر أن أمجد الطرابلسي كان من كبار الشعراء في القرن العشرين، وأنه كان من رواد التجديد في ذلك القرن. لقد عرف طلبته في بلاد الشام وبلاد المغرب  الأستاذ، وجهلوا الشاعر وهو الجوهر الكامن الذي توارى خلف الأستاذ الجامعي. فطلبته في جامعة دمشق اكتشفوا أنه شاعر في الخمسينيات، فوضعوا تحت رسم له " كان شاعراً "، ولا أظن أن طلبته في المغرب وفي الوطن العربي قد تعمَّقوا هذا الجانب من حياة أمجد ، إلى يومنا هذا.

 

ثالثا : مميزات عامة لشعر أمجد الطرابلسي :

 

 وأرى أن أهم ما تميز به شعر أمجد الطرابلسي هو امتزاج هموم الذات بهموم الأمة، وتخلل كل ذلك نزعة إنسانية عميقة تجعل من شعره شعراً تأمليا عالميا، ينفتح على حقيقة الإنسان في هذا الكون. وشعره كما بدا من تصنيفه له في مجموعه الشعري " كان شاعراً " ؛ فيه : روحانيات وأوابد وقوميات وعبرات وتأملات وذاتيات. ويلاحظ أن شاعريته انفتحت منذ البداية على قضايا الوطن العربي، وعلى الشعر الديني كم سنرى من خلال تواريخ بعض القصائد.

وشعر د. أمجد الطرابلسي لم ينل حظه من الدراسة؛ بل إن اسمه لم يتردد في كتابات المعاصرين؛  باستثناء الإشارات التي أوردتها نازك الملائكة في كتابها  قضايا الشعر المعاصر  [ ط1، 1962 ]، وما قاله د. شكري فيصل عن شعر أمجد في حفل استقباله بمجمع اللغة العربية بدمشق، سنة 1972.

 

أ النزعة الرومانسية :

 

كانت المرحلة التي بدأ فيها الأستاذ أمجد ينشر شعره، تطبعها الرومانسية في الوطن العربي وفي المهجر الأمريكي الشمالي. وهي مرحلة اتجه فيها الشعر العربي إلى تصوير النزعة الغنائية الإنسانية، وأصبح مقياس الشعر فيها ما يعبر عما في النفس من أحاسيس وانفعالات وما يُخامر الشعور من خواطر وتأملات في الحياة والطبيعة. وأصبح الشعر هو " ترجمان النفس " كما ذكر ميخائيل نعيمة في غرباله [ الغربال : 84 ط. 1923 ].

ونزعته الرومانسية تتجلى في المظاهر الآتية :

الغربة والحنين  : فقد ذاق أمجد مرارة الغربة منذ سنة 1938 بعد رحيله إلى فرنسا، فما أن استقر بباريس حتى انفجرت الحرب العالمية الثانية فوجد نفسه منقطعاً عن وطنه، فصاغ شوقه إلى وطنه في كلمات تقطر حزناً وألماً.

 وعاش في غربته لحظات من اليأس طبعت شعره في مرحلته الباريسية؛ فانبعثت من شعرة نغمة حزينه يلفها شيء من التشاؤم والانقباض.

 وساد شعره تأملات في الطبيعة، كما أعربت عنها قصية المساء، وهي من روائعه. وتراقصت في شعره أحلام الأمس، وآمال المستقبل.

 

واستبدت الغنائية بشاعرية أمجد في هذه المرحلة من تجربته الشعرية، ولكن أناه كانت عريضة تسع قومه ومجتمعه فقد حقق في شعره تلك المزاوجة بين الأنا والمجتمع، فقد قال له د. شكري فيصل، في تقديمه للمجمع: "لقد كان يتبدَّى مجتمعك من خلال ذاتك وكانت أمتك تتلاحم من وراء أناك" [26].

ولاحظ د.شكري فيصل أن أمجد في سنوات باريس بدا عليه شئ من التشاؤم وكانت الأزمة العالمية في ذروتها حين انقطعت السبل بينه وبين الشام. وقصيدة " احترق احترق" تمثل هذا التشاؤم "وتعرض في دقة هذه الروح التي تنوس بين اليأس والرجاء بين الأمل الباسم والواقع الأسود. إنها مزيج رائع من الحنين يمثله التطلع إلى النخلات وقد تلامحت من وراء البحار، ويمثله القطار أداة الوصول إلى الوطن وقد حملته كل سرائر النفس تنوس بين الأمل، يعبر عنه: ويك لا تحترق، وبين اليأس يعبر عنه احترق احترق" [28].

 

وفي هذا النزوع الرومانسي وردت في شعر أمجد تساؤلات فكرية وشيء من التمرد على الماضي، على عادة الرومانسيين. وأرجعها د. شكري فيصل تلك التساؤلات إلى أثر العصر، وشكوك الشباب، وعدوى أبي العلاء المعري، كقول أمجد :

رباه إن الروض عذب هنيئ      وليس فيـه شرة الـزوبعة

وأنت لا ترضى عذاب البريء    كلا ، ولا يرضيك أن تفزعه

ومع  هذا، فقد تميز شعره بالتفاؤل بالرغم من آلام اليتم والغربة وما كان يسود العصر من هموم، وهو تفاؤل نابع من روح حضارة الإسلام، ومن روح عبقرية العروبة التي يؤمن بها. فقد كان أمجد وفيا لثقافته، مجاوزا لظروفه الخاصة، سلمت عقيدته وآمن بسعادة الدنيا وسعادة الآخرة.

ومما له علاقة بالنزعة الرومانسية، ما أسماه الأستاذ أمجد  شعر الأوابد  وهو شعر يُعنى فيه أصحابه بالأطلال وما يتبقى من الآثار الشاخصة، ومن قصائده في هذا، نجد : قصيدة : في ظلال الأرز ( مجلة الرسالة : 16 غشت  1937، عدد أبياتها : 90 وفي : كان شاعراً، عنوانها : أرزة لا مارتين ص: 47 52 ، أثبت منها : 43 )

وقصيدة : هياكل بعلبك ( مجلة الرسالة : العدد 206، عدد أبياتها : 69  - في : كان شاعراً  ، ص 41 45، أثبت منها : 36 ).

 

ب النزعة القومية في شعره

 

تفجرت هذه النزعة في شعره وهو في سن الثامنة عشرة من عمره، وظلت مسيطرة على توجهاته خلال أطوار حياته؛ وتراها كامنة في نفسه، هادئة هدوء الأستاذ أمجد، عميقة في تفكيره عمق تفكيره ومشاعره الإنسانية.

-            قصيدة : أيا صوفيا ( مجلة الرسالة : 5 أغسطس 1935، عدد أبياتها :38 ]

-            قصيدة : جهاد فلسطين ( مجلة الرسالة : 27 يونيو 1936، عدد أبياتها :45 ]

-            قصيدة : دنيا المتنبي ( مجلة الرسالة : 23 ديسمبر 1935، عدد أبياتها : 80 ]

-    قصيدة : فاوزي القاوُجي ( كان شاعرا ، ص : 55 61،  قيلت في أحد قادة الثورة السورية، وألقيت  في حفل أقامه الطلاب في باريس عام 1942 تكريما لها؛ وكانت باريس آنئذ في قبضة الاحتلال الألماني ، عدد أبياتها : 51 ]

-    قصيدة : بور سعيد ( كان شاعرا ، ص : 63 - 66 ، من الشعر الحر )  لعلها قيلت سنة 1956

-    قصيدة : يَلمان يُطويان وعَلَمٌ يُنشَر ( كان شاعرا، ص : 67 72 ، ألقيت في مهرجان دمشق في : 20/3/1958 ؛ تمجيداً لقيام الجمهورية العربية المتحدة ).

-    قصيدة : رصاص فتح يلعلع من جديد بعد يونيو 67 ( كان شاعرا، ص : 73 75، من الشعر الحر ).

والجانب القومي السياسي في حياة أمجد ووجدانه يحتاج إلى مجهود خاص. وتحتاج كل قصيدة من هذه القصائد إلى وقفة طويلة.

 

جـ النزعة الأسلامية في شعره

 

قصائده الدينية تشكل في مجملها ملحمة إسلامية جديرة بالدراسة والبحث ؛ يتخللها نفس قصصي، وهي حافلة بمشاهد حية من تاريخ الإسلام، وتنبعث منها مشاعر فياضة تتقاسمها هموم الحاضر وآمال المستقبل، وتتراقص فيها أمجاد الماضي. وما بين أيدينا من قصائده الإسلامية نذكر :

-  قصيدة : ألحان الفجر (مجلة الرسالة : 15 أبريل 1935، عدد أبياتها : 50 ، في : كان شاعراً، عنوانها : مع أذان الفجر ، أثبت منها : 24 بيتاً )

- قصيدة : أرض النبوة (مجلة الرسالة : 3 يونيو 1935، عدد أبياتها : 46 )

- قصيدة : الفداء (مجلة الرسالة، عدد 196، 1937 ، عدد أبياتها 173 -  في: كان شاعراً  عنوانها : همزية الفداء ، أثبت منها  76 بيتاً )

- قصيدة  : الإسراء (مجلة الرسالة : 21 مارس 1938 ، عدد أبياتها : 91 في : كان شاعراً، عنوانها : همزية الإسراء، أثبت منها  67 بيتاً ).

 

د النزعة الإنسانية الاجتماعية

 

هذا الجانب الإنساني له حضور متميز فيما تبقى من شعر أمجد، وأكتفي هنا بالإشارة إلى قصائده :

-    قصيدة : السائلة ( مجلة الرسالة : 8 ماي 1934 ) ؛ عندما يقودها الفقر إلى الرذيلة . يقول في نهايتها :

           نخلُقُ المُجرمين نحن بأيديـ         نا ، ونَسقيهم الردى أشكالا

-    قصيدة :العدالة ( مجلة الرسالة : 12 يونيو 1937) : وصف طفل يفترش الثرى ليلا ، في شارع خلا إلا من السكارى ، ويأتي شرطي ليحرم الطفل حتى من النوم .

-    قصيدة : قسوة الطفولة ( مجلة الرسالة : 7 ديسمبر 1936 ) . رأى أمجد طفلا صغيراً يتلهَّى بتعذيب عصفور صغير مثله وكله فرح وسرور بألعوبته ، أنهاها بقوله :

                    كن رحيماً إنما الإنــ        سان ذو القلب الرحيم

وفي هذه القصائد الاجتماعية دعوة إلى العناية بكرامة المواطن، ورفع المهانة عنه، وفيها يستنهض الأمة ويُذكرها بأمجادها. ولو اخترت نماذج من هذه القصائد لاحتاج الأمر إلى صفحات وصفحات. وغايتي الإشارة فقط.

 ومما تميزت به شاعرية أمجد : الاعتداد بالنفس والكبرياء والتأبِّي على الآلام، والترفع عن البكاء، كما رأينا في قصيدة " قالوا : سكت ؟ " ، ومن روائعه في التعبير عن هذا الشموخ بالذات والاعتداد بالنفس ما نجد في قصيدته نشرها في مجلة الرسالة بتاريخ 3 يناير 1938 بعنوان : " أُحبُّ واحتقِرُ " [ عدد أبياتها : 40 ] ، وأثبت منها عشرين بيتا في مجموعه " كان شاعراً " ، وبعنوان : " أحب ولا أحب " ؛ منها  :

أحبُّ الجبالَ الشامــخاتِ كأنَّها       على جبْهة الدنيا تصول عواتـيا

تَضاحَكُ من عصْفِ الرياح وزأرِها     وتحْتضِن السَّيل َ الحرونَ المُعاديا

 

                                  *    *    *    *

 

أحب الفتى يَفْري الفلا مُهجِّراً          فلا يَشتكي أيْناً ولا يَتظلَّمُ

إذا لَذَعتْه الشمسُ سَدَّدَ وجهَهُ           إليها حديد الطَّرْفِ لا يَتبَرَّمُ

 

                                 *    *    *    *

ويختمها بقوله :

وأحتقٍرُ الأحرارَ يَحنونَ رأسَهم         ولــيس عليهـم سيِّدٌ أو مُسـيطِرُ

إذا كان قلبُ المرء عبداً ورأيُه         فقُلْ لي هُديتَ الخيرَ ماذا تُحِرِّرُ؟

وهذه قصيدة " كبرياء الألم " نشرها في مجلة الرسالة بتاريخ 14 ديسمبر 1936 ( 43 بيتاً ) ، يقول في مطلعها مخاطباً قلبه :

أتظلُّ تخفُقُ في الأضالع واهيا              ياقلبُ حسبُك لن تَرانيَ شاكيا

ياذِلَّـةَ الباكـي إذا أعــدؤُه              شمَتوا به  والخلُّ أصبح راثيا

وهذه أبيات منها :

                                *    *    *    *

واشمخْ في الخُطوب ولا يكنْ              غُلْفُ القلوب أشدَّ منك تعاليا

*    *    *    *

والمجدُ للألم الدفين على المدى             لا للذي يُؤذي المسامع باكيا

                             *    *    *    *    *

وبخافقي ما لو تقسَّمَــهُ الوَرَى             وسِعَ القلوبَ على الزمان خواليـا

لكنني أغـلى فؤادي أن يــرى             بيـن الأنـام  وأن فيه- داميـا

 

 

 ويقارن شكري فيصل بين أمجد وأستاذه المرحوم محمد البزم قائلا: "ومن ذا الذي لم يتأثر بإبائه: إبائه على الظلم، وإبائه على الدهر وإبائه على الحظوظ... إن هذا الإباء فرع من أصل"[29].

لا يُمكن فهم الأستاذ أمجد ، ونهاية الأستاذ أمجد بباريس ، وما عاناه ما لم يُدرس شعره  ؛ ففيه مساحات وتخوم لشاعر أفصح عن روحانيته بشفافية لا نعثر عليها بسهولة في دنيا الشعر الحديث والمعاصر .

 وقد زرته بعد  أن تلقى ورقة الشكر على نهاية الخدمة ،  وتعين ما سوف يتقاضاه ثمناً لخدمته وواجباً  لتقاعده ، وما تعيَّنَ تقاضيه على الخدمة ، كان مِمَّا يجعل الموت البطئ سريعاً . وحدثني يومها عن ذلك العالم الذي وقف أحد الأمراء في حلقته العلمية لحظة ، وعندما انصرف بعث خادمه بصرة من المال إلى ذلك العالم ؛ فردها هذا الأخير على الخادم وقال له : قل لسيدك إن الذي يَمُدُّ ِرجْلَهُ لا َيمُدُّ يَدَهُ ( وقد كان ذلك العالم يمد رجله أثناء درسه نتيجة مرض ألمَّ به) .

رابعا : ظواهر فنية في شعره

تناولت نازك الملائكة في كتابها : قضايا الشعر المعاصر، ثلاث ظواهر في شعر أمجد الطرابلسي.

 أولها : مسألة التدوير أي حين يشترك الشطران في كلمة واحدة، وقد ساقتها ضمن المشاكل الفرعية في الشعر الحر، وقد اعتبرت لذلك فائدة شعرية تُسبِغُ على البيت " غنائية وليونة ؛ لأنه يمدّه ويُطيل نغماته "، واستشهدت على ذلك بأبيات من قصيدة " مصرع الصقر " للأستاذ أمجد، من بحر الخفيف :

       وحْدة العُرْبِ قد تضوًّعَ في الجو

                               شذاها مثل الخميلِ النضيرِ

        وحدة العُرْب مزَّقتْ حُجُبَ الليـ

                              ل، وشعَّتْ ملء الفضاء المنيرِ(1)

وثانيها : ما أسمته ظاهرة الهيكل الذهني في القصيدة، فلاحظت أن كل هيكل لا بد له من أن يمتلك أربع صفات عامة هي : التماسك والصلابة والكفاءة والتعادل. وحددت أصنافاُ ثلاثة من الهياكل :

- المسطح وهو الذي يخلو من الحركة والزمن.

- الهرمي وهو الذي يستند إلى الحركة والزمن.

- الذهني وهو الذي يشتمل على حركة لا تقترن بزمن (2)؛ أي أن الحركة تكون في الذهن، ويُراد بها بناء هيكل فكري لا وصف حدث يستغرق زماناً. على أن هذا الهيكل الذهني " ليس ساكناً، وإنما هو حركي؛ ينتقل فيه الذهن من فكرة إلى فكرة خارج حدود الزمن ". واعتبرت الباحثة قصيدة أمجد الطرابلسي ّ أنت وأنا " نوذجاً جيداً للهيكل الذهني :

أما رأيتِ الليلةَ الحالكه           تجلو دجاها البرقةُ الساطعه

والطفلة المشرقة الضاحكة       تُحزُها لعبتُها الضـــائعة

فإنني الليلةُ يا برقتي

                  

 

وإنني الطفلةُ يا لُعبتي

يا فرحتي أنت ويا دمعتي

إن تجدي الناسك في دَيره          تهـزُّه نغمـةُ أرغنِّه

والفاجر العِربيد في سكره          تُرعشُه النظرة من دنِّه

فإنني الناسكُ يا نغمتي

وإنني السكرانُ يا خمرتي

يا سَقَري أنت ويا جنتي

وأتت الباحثة بمقطعين آخرين من القصيدة، لتثبت أن الشاعر قد أدخل حركة ذهنية في القصيدة؛ فراح ينقل ذهن القارئ بين المظاهر المتعددة للفكرة دون أن يحتاج إلى زمن. أما افكرة الأساسية فهي أن الشاعر يرى في حبيبته الحياة كلها على اختلاف أحاسيسها وتقلب أهوائها (3).

والظاهرة الثالثة التي تناولت الباحثة كانت هي  ظاهرة التكرار في الشعر الحديث؛ باعتبارها لوناً من ألوان التجديد في الشعر؛ إذا استطاع أن يُغنيَ المعنى ويرفعه إلى مرتبة الأصالة. وقالت الباحثة : " والنموذج الذي أحبّه وأريد تقديمه للقارئ قصيدة بديعة لأمجد الطرابلسي قرأتها في مجلة الرسالة منذ سنين وعنوانها " احترق ... احترق "، أنقلها هنا كاملة " (4). والقصيدة أثبتها الأستاذ أمجد في مجموعه : كان شاعراً، وأرّخ لها بسنة 1940، وقال في بدايتها : " حين ينقلب الأمل فجأة يأساً وقُنوطاً ". بدأُ القصيدة هكذا :

لا تقفْ يا قطارْ                  لا تَهِـنْ يا خَفِقْ

نخَلات الديـارْ                  من وراء البحارْ

لمعتْ في الأفقْ

ويْكَ لا تحترقْ

وهي قصيدة في الحنين أراها تختزل تمزق الأستاذ أمجد بين بلاده وبلاد الغربة، يبدأها بالأمل في العودة إلى الديار، ويدعو  القطار ألاَّ يتوقف وألاَّ يحترق؛ حتى يبلغ نخلات الديار التي تلمع في الأفق من وراء البحار. وفي لحظة يتراءى الدجى ويخبو الأمل، ويتبدد عقد الوصال، ويأتي الفناء بعد كَدّ المسير :

قد بلغنا الفِناءْ          بعد كدّ المسيرْ

ليس دون اللقاءْ       بعد هذا المساءْ

غيرُ بعض العصورْ (5)

وبحـار تـمــورْ

سر بنا سر بنا      في الدجى يا أملْ

الهــوى نا يُنا          والمـدى غايُنا

يا هَنا مَن وصلْ

بعد فَوْت الأجـلْ

وتأتي صرخة اليأس من العودة، وتتبدى النهاية الخرساء، كفاك أيها القلب خفقاناً، أما أنت أيها القطارفتوقف، واحترق؛ فقد أخفى ظلام الأفق نخلات الديار، وانحسرت الآمال وراء غمرات البحار:

قف بنا يا قطارْ          واسترح يا خَفِقْ

بينــنا والديارْ         غمرات البحـارْ

وظــلام الأفـقْ

احترق ْ.. احتـرق ْ

 

تقول نازك الملائكة في تعليقها على هذه القصيدة : " استحالت " لا تحترق " التي جاءت في أول القصيدة إلى " احترق " التي ختمتها. وكانت هذه مقارنة صامتة بين حس الأمل في المقطع الأصلي، وحس اليأس في المقطع المكرر. وقد كان الشاعر فنانا وهو يختار " احترق احترق " عنواناً  لأنها، كما رأينا، ملخص الصراع كله، وإليها ترتكز القصيدة " (6).

ومن الظواهر التي تناولها د. شكري فيصل أثناء تقديم د. أمجد الطرابلسي إلى مجمع اللغة العربية :

أولاً : لغة أمجد المصقولة واختياره للتعابير النقية القوية.

ثانيا : السهل الممتنع في شعره، ويبدو أن الأستاذ أمجد يميل إلى هذا السهل الممتع في الأدب عموماً .

ثالثاً : الموسيقى الشعرية : وتتمثل فيها نزعة تجديدية تبرز في شيئين : الأشكال الشعرية أي القوالب التي سكب فيها شعره. والأبحر الشعرية التي استخدمها فكان بها مجدداً في الأوزان والموسيقى (7). وقد لاحظ د. شكري فيصل أن الأستاذ أمجد لم يخرج في شعره عن حدود الأبحر والتفعيلات، ولكنه استطاع أن يُنوِّع القوافي ويُعدد الأشكال ؛ فتوافرت في شعره في الشكل والنغم والقافية.

وأستطيع أن أقول إن شعر الأستاذ أمجد تمثلت فيه جل مظاهر التجديد في شعرنا العربي الحديث ؛ وأن تلك المظاهرة كانت  واضحة في المعاني والموضوعان والأخيلة والصور والإيقاعات الموسيقية . نفسه ذاقت مرارة اليتم وألم الغربة ، وعاشت أمل الوحدة العربية ، وما أن توهج لهيب الوحدة  في لحظة حتى تبدّد رماداً ، ووجد نفسه في بلاد المغرب الأقصى  يترقّب حلم الوحدة  الذي يأتي ولا يأتي.

كان شاعراً عربيا يحمل آلام أمة وآمالها ؛ امتزج في نفسه وشعره ما هو نفسي بما هو قومي بما هو إنساني ؛ فجاء شعره أقرب إلى نفسية الأمة العربية في القرن العشرين.

 

 

 

     

المبحث الخامس

الدكتور أمجد الطرابلسي محققا

( من خلال " زجر النابح " لأبي العلاء المعري)

 

تمهيد :

 كانت للأستاذ أمجد مع تحقيق التراث  أبي العلاء المعري (449هـ)  تجربتان هامتان في حياته العلمية، فقد حقق أثرين من آثاره:

 الأثر الأول : تحقيقه لمقتطفات من  كتاب " زجر النابح "  [ مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، المطبعة الهاشمية بدمشق – ط1 : 1385هـ / (1965) – [ ط2 : 1982].

والأثر الثاني: تحقيقه لكتاب " الصاهل والشاحج " لأبي العلاء، حققه في المغرب تلبية لرغبة مجمع اللغة العربية بدمشق، بعد أن زوده بمخطوطتين ثمينتين؛ تضمهما الخزانة الملكية بالمغرب. وقبل أن يُخرج الكتاب محققا في سلسلة منشورات المجمع، بادرت د.عائشة بنت الشاطئ إلى إخراجه، وأصدرت تحقيقا باسمها؛ فتألم الأستاذ أمجد لما حدث من ملابسات، وبلغني أنه مرض من جراء ذلك. وظل تحقيق الأستاذ أمجد للكتاب مخطوطا، ولعل هذا التحقيق يشهد النور في الأيام القادمة بحول الله تعالى. ومن حسن الحظ أن الأستاذ أمجد كتب دراسة هامة حول " الصاهل والشاحج "، نشرت في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1974، وتقع في ثمان وثلاثين صفحة. وسأخصها  بإشارة هنا.

والأستاذ أمجد أشرف على تحقيقات تقدم بها باحثون بالجامعة المغربية، منها :

تحقيق كتاب "روضة التعريف" للسان الدين بن الخطيب: محمد الكتاني: 2/06/1969. [ ط ]

 - تحقيق كتاب " المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع" لأبي محمد القاسم السجلماسي: علال الغازي 15/12/1977. [ ط ]

- العمدة في محاسن الشعر وآدابه تحقيق وشرح : محمد قرقازان: 2/03/1984[ط]  .

-     رفع الحجب المستورة عن محاسن المقصورة لأبي القاسم محمد الشريف السبتي (697 – 760هـ) ، تحقيق ودراسة : محمد الحجوي : 12/5/1986 [ ط]

وما عسى أن يُقال في باحث ظل يُصحح ويَنشُد الحقيقة في كل ما يقرأ؟

وأريد هنا أن أتناول المنهج الذي رسمه الأستاذ أمجد في تحقيقه لكتاب " زجر النابح " ؛ كما حدده في مقدمة التحقيق ومارسه في قراءة النص العلائي. وأبرز مكونات مقدمات التحقيق كما

 

وردت في تجربته هذه. [ وقد اعتمدت في هذا على الطبعة الأولى، والأرقام الواردة بين معقوفين تشير إليها ].

  وكانت نية الأستاذ أمجد أن ينشر هذه المقتطفات ويقدمها إلى المؤتمر الرابع والعشرين للمستشرقين الذي انعقد في مدينة مونيخ الألمانية سنة 1957 ، غير أنه طرأت أحداث ومشاغل حالت دون متابعته للعمل آنئذ، كما ورد في مقدمة التحقيق.

ورغبة من الأستاذ أمجد في الإيحاء بظروف تأليف الكتاب أورد على صفحة الغلاف، وتحت العنوان إلى اليسار، ما قاله ياقوت الحموي (626هـ) في كتابه " معجم الأدباء "، عن " زجر النابح ":  " ذلك أن بعض الجهال تكلم على أبيات من ( لزوم ما لا يلزم ) يُريد بها  التشَرُّرَ والأذيَّة، فألزم أبا العلاء أصدقاؤه أن يُنشئ هذا؛ فأنشأ هذا الكتاب وهو كارِهٌ " [ في تحقيق د.إحسان عباس لـ " معجم الأدباء " : التشرير بدل التشرر: 1/330  - من شرَّرْتُ الثوب إذا وضعته في الشمس ليَجِف ، في اللسانَّ ] .

 

أولاً : نسبة الكتاب إلى أبي العلاء المعري

 

أول خطوة في مجال التحقيق، كما هو مقرر؛ نسبة الكتاب إلى صاحبه والتحقق من ذلك. فكانت أول قضية أثارها الأستاذ أمجد، في مقدمة تحقيقه، هي إثبات نسبة الكتاب إلى أبي العلاء. فقد وجد أن  كتاب " زجر النابح "  ثابتُ النسبة إلى أبي العلاء المعري، وأن جل المؤرخين الذين كانت لهم عناية بترجمة أبي العلاء؛ قد ذكروا الكتاب وأشاروا إلى صلته بديوانه " لزوم ما لا يلزم ". وأتى الأستاذ أمجد على ذكر ثمانية مصادر أثبت فيها أصحابُها نسبة الكتاب إلى أبي العلاء؛ أذكر من بينها ثلاثة مصادر هي:

معجم الأدباء  لياقوت الحموي الرومي (626هـ)  [تحقيق إحسان عباس : 1/3  ].

الإنصاف والتحرّي في دفع الظلم والتحرّي عن أبي العلاء المعري لابن العديم ( كمال الدين عمر بن محمد :660هـ ) [ طبع ضمن السفر الأول من " تعريف القدماء بأبي العلاء  ، ص 483 – 578 ].

أوج التحرّي عن حيثية أبي العلاء المعري ليوسف البديعي : 1073 هـ [ حققه :  د. إبراهيم الكيلاني، منشورات المعهد الفرنسي للدراسات الشرقية، دمشق، 1944 ].

 

ثانيا :  أصداء عن كتاب " زجر النابح "  عند القدماء

 

  أ – حاول الأستاذ أمجد أن يبحث عن مقتطفات من الكتاب في المصادر التي تحدثت عن أبي العلاء. و لاحظ من خلال تتبعه لما جاء في  تعريف القدماء بأبي العلاء  أنه لم يورد أحد ممن  ترجموا لأبي العلاء، أثناء  ذكره لمختارات من أقواله؛ ولو عبارة قصيرة من كتاب  زجر النابح .

 وحتى البديعي في كتابه  أوج التحري   حين أثبت  " فصولاً مطولة اختارها من عدد من تصانيف أبي العلاء المعلومة والمجهولة لم يشر إلى  زجر النابح  إلا إشارة عابرة، دون أن يورد منه عبارة واحدة " [ 7 ].

 ولاحظ الأستاذ أمجد كذلك  أن القفطي (علي بن يوسف : 646هـ ) ذكر في  إنباه الرواة  أن  زجر النابح  كان من بين الآثار العلائية التي قُدر لها النجاة بعد اكتساح الروم معرة النعمان عام 492 هـ / 1098م .

 

ثالثاً : كيف تم العثور على مقتطفات من " زجر النابح  " ؟

 

عثر الأستاذ أمجد بطريق المصادفة على مقتطفات من " زجر النابح "، وذلك أثناء زيارته لقسم المخطوطات في المتحف البريطاني سنة 1954 . وكان يبحث في تلك الأثناء عن مخطوطة لديوان  لزوم ما لا يلزم  ؛ بغية تحقيق مقدمة هذا الديوان؛ لأنه كان معنيا آنذاك بشرحها وتدريسها في كلية الآداب بدمشق.

فوجد تلك المقتطفات ضمن مخطوط يحتوي على الجزء الأول من  لزوم ما لا يلزم  رقمه ( 5329or ) ، وقد عُني الناسخ بإثباتها تِباعاُ في حواشي المخطوط  بإزاء الأبيات. وذكر الأستاذ أمجد أن بروكلمان (1868 – 1956 ) قد أشار إلى هذه النسخة دون أن ينبه إلى تلك المقتطفات القيمة الواردة في هوامشها، أي في هوامش الجزء الأول من اللزوميات.

 

رابعاً : وصف المخطوطة : الملاحظات الشكلية، مع السعي لكشف تاريخها

 

وجد الأستاذ أمجد هذه المخطوطة تضم 184 ورقة من القطع المتوسط، مخرومة الأول والآخر. تطرق البلى إلى كثير من أوراقها، وأصابتها الرطوبة في غير موضع. ومما لاحظه الأستاذ أمجد أن الوسائل البدائية في ترميم المخطوطات كثيراً ما تجور على بعض النصوص الثمينة في بعض المخطوطات فتطمس بعضها، وقد يحُول هذا دون تحديد تاريخها.

فما عسى أن يفعل الأستاذ أمجد مع مخطوطة هذا حالها من التلاشي والوَهَن ؟ كيف يُخرج هذا النص ويُثبتُ فيه روح صاحبه ؟ لا يستطيع أن يتجرأ على إخراج أمثال هذه الأعمال؛ إلاّ لمن أنِس في نفسه المقدرة على متابعة ما طُمِس من النص بصبر يُظلله علم،  مع ثقة بالنفس في تجاوز إعادة بناء النص، وتقدير خاص من المحقق لأهمية النص وصاحبه. فلا يتأتّى إخراج هذا النص إلاَّ لمن أحب أبا العلاء، واقترب من روحه ،  وانغمر في معجمه الخاص؛ وخبر العربية في أبنيتها وتراكيبها. فما عساه أن يفعل مع ما طُمِسَ من معالم النص ؟ ما هي أساليب التقويم، والاقتراب مما تلاشى واندثر ؟

مثل هذا يقتضي حنكة من المحقق، يقتضي تجربة ومراساً. أمام البتر والطمس تتسع  حيرة المحقق؛ أيجتهد، وما حدود اجتهاده ؟ وهل يحق له أن يُجازف بما بدا له ؟ أم يكتفي بترك البياض ووضع ما يرمز إلى ذلك ؟

لقد اختار الأستاذ أمجد طريقاً وسطا بين غاية الاجتهاد في إعادة بناء النص، واللجوء إلى ترك البياض عندما لا يسمح الاجتهاد بغير ذلك. وفي كل هذا وضع ما كان مطموساً بين معقوفات للتنبيه على الزيادة. وقد اجتهد غاية الاجتهاد في إعادة خلق ما كان مطموسا؛ بحسّه العلائي، وتبعاً لروح صاحبه، وانسجاماً مع سياقه الدلالي. وسنرى في فقرة لاحقة كيف تم ذلك.

وبسبب النقص الحاصل في المخطوطة تعذر تحديد تاريخها على وجه الدقة. وإذا كان صاحب فهرس المخطوطات العربية المحفوظة في مكتب المتحف البريطاني قد قال : " وربما كانت من القرن الثاني عشر للميلاد ( القرن السادس للهجرة )؛ فإن الأستاذ أمجد حاول أن يقترب من تاريخه أكثر؛ فذهب إلى أن المخطوطة تنتمي إلى القرن السادس،  وقد تكون معاصرة للفترة الأخيرة من حياة أبي العلاء؛ فهي من أواخر ما ألف، ولم يَستبعد الأستاذ أمجد أن تكون بخط أحد تلاميذ أبي العلاء ، واستدل على ذلك بما يلي :

 (1) مظاهر الخط الذي كتبت به المخطوطة تحمل على الاعتقاد أنها من القرن الهجري السادس، كما أشار إلى ذلك ( فهرس المخطوطات العربية المحفوظة في المتحف البريطاني ).

(2)  تكاد تنتهي المقتطفات المقتبسة كلُّها بمثل هذه العبارة : " هذا كلام الشيخ أبي العلاء … من زجر النابح " ومن المحتمل أن تعني كلمة ( الشيخ ) هنا أن أبا  العلاء كان حقا من شيوخ الناسخ.

(3)  خلو هذه العبارات كلها من تعبير ( رحمه الله )، قد تكون إشارة إلى أن النسخة كتبت في حياة المؤلف، حين اشتد عليه طعن الطاعنين في السنين الأخيرة من حياته[ 11 – 12 ].

ومن الثابت أن أبا العلاء كتب  زجر النابح  في أواخر حياته، بعد أن انتهى من نظم اللزوميات، وتعرضت بعض أقواله فيها للنقد والتجريح.

 

خامسا: ماذا عن ثقافة الناسخ ؟

 

 وشهد الأستاذ أمجد لكاتب هذه النسخة بالعلم وبحبه لأبي العلاء، والإخلاص في الدفاع عنه. أما علمه فيتمثل في خلو النسخة من الخطأ؛ إلا ما جاء سهواً، وضبطها بالشكل الكامل مع شروح لغوية وتاريخية ثمينة تدل على سعة اطلاع الناسخ وحسن تفهمه لأشعار أبي العلاء. وأما كونه من محبي صاحب اللزوميات، فواضح من حسن اختياره لهذه المقتطفات من أقوال الشيخ في ( الزجر) وإثباتها في هوامش النسخة بإزاء كثير من الأبيات التي كانت هدَفاً للطعن والتجريح.

 

سادسا: موضوع الكتاب ومسألة اتهام أبي العلاء بالكفر

 

كتاب  زجر النابح  ردَّ فيه أبو العلاء على من تكلموا على أبيات من لزوم ما لا يلزم، ورموه بسببها بالكفر؛ فألف هذا الكتاب لدفع تُهَم  الطاعنين في دينه؛ فهو كما يقول الأستاذ أمجد  : " أحد التصانيف العلائية التي تكشف لنا عن الصراع الذي كان يدور في حياة أبي العلاء نفسه حول آثاره وآرائه ومسلكه في حياته وبين نفر من خصومه "[ 15 ].

ورد الأستاذ أمجد أسباب اتهام أبي العلاء في دينه، والتشكيك في معتقده، إلى أمور ثلاثة:

" أولها مسلك المعري في حياته ونسكه وزهده وترهبه وامتناعه عن أكل الحيوان وما يُنتجه.

 وثانيها كتاب الفصول والغايات ، وهو كتاب أملاه المعري بأسلوبه المنمق المعروف في تمجيد الله وحمده؛ فزعم خصومه أنه أراد به معارضة القرآن.

وثالثها – وهو الأهم – ديوانه المشهور  لزوم ما  يلزم  وما ورد فيه من أقوال لا يخلو بعضها من جرأة وعنف ونقد قاسٍ لرجال الأديان وأصحاب المذاهب والطرق من كل ملة وطائفة. كم لا يخلو بعضها الآخر من غموض يبعث على الاستفسار " [15 – 16 ].

واضطر أبو العلاء في حياته أن يناظر عدداً من خصومه، وأشهر من ناظره داعي الدعاة الفاطمي. ولعل استكانته، من جهة أخرى، إلى الصمت؛ جعلت بعض أصدقائه يُلحُّون عليه أن يدفع عن نفسه التشَرُّرَ وألاذيَّة، وهو كاره، كما قال ياقوت الحموي.

 

سابعاً : دراسة الكتاب : مواجهة الخصم

 

اتضح لأستاذنا أن  زجر النابح  وضعه أبو العلاء للرد على خصم واحد، ولعل هذا الخصم قد كتب رسالة يتعقَّب فيها أقوال أبي العلاء في  لزوم ما لا يلزم ؛ فأمعن في أذيته وتأليب الناس عليه؛ مما أدى إلى زجره ودفع نُباحِه.

نبَّه الأستاذ أمجد في البداية إلى النعوت التي صدرت من أبي العلاء في الرد على خصمه، فوجد منها ما يُمكن احتمالُه بيُسر، ومنها ما يبلغ الغاية في القسوة. " فهو أحيانا : الطاعن والمتكلم، والمنكر، والمعترض. وهو أحياناً أخرى : المتحامل، والمتقوِّل، والمُبطل، والمُموِّه. وهو أخيراً : المُتخرّص، والمُتسوّق، والمُتقرّب بثلب البرآء، والعِرِّيض الكاذب، والمُلحد " [ 18 ].

وتتبع الأستاذ أمجد في  زجر النابح  الأسباب التي دفعت ذلك الخصم إلى التحرش بأبي العلاء والتهجم عليه، وتأليب العامة ضده؛ رغبةً في إيذائه والإيقاع به [19]. وأتى بأمثلة من تمويهاته الباطلة، وبما رمى به أبا العلاء من كفر وإلحاد. ولاحظ الأستاذ أمجد أننا لا نعرف شيئاً عن هذا الخصم وأن مطاعنه إنما تُستنج من أقوال أبي العلاء نفسه في هذه المقتطفات.

 " فقد كان أبو العلاء يذكر أحياناً التهمة الموجهة إليه من قبل خصمه قبل أن  يعمد إلى الدفاع عن نفسه. فنراه مثلا يقول في تعليقه على هذا البيت :

ودارا ساكنٍ وحياةُ قومٍ        كَجسْرٍ فوقَهُ اتصلَ العُبورُ

أعوذ بالله من زمان تجوز فيه عدوى مُمَوِّهٍ أن هذا البيت دليلُ الإلحاد " [21 ].

و أبو العلاء يشير إلى العبور من الدنيا إلى الآخرة، وهذا البيت يأتي قبل ثلاثة أبيات، هي:

أُمورٌ تُستَخَفٌّ بهــا حلومٌ          وما يدري الفتى لمن التُّبورُ

كتابُ محمّدٍ وكتاب موسى           وإنجيل ابن مريمَ والزّبـورُ

نَهَتْ أُمَماً  فما قبلتْ وبارتْ          نصيـحتُها، فكـل قومٍ بورُ

ولاحظ الأستاذ أمجد أن المقتطفات تخلو في معظم الأحيان من مثل هذه الإشارات الواضحة، ولكن القارئ يستطيع أن يستنتج رأي الخصم من أقوال أبي العلاء في دفاعه عن نفسه.

 

ثامنا : طريقة المعري في الدفاع عن نفسه: بين الهدوء والعنف.

 

من أجل إبعاد الشبهات والمطاعن عن شعره، سلك المعري الطريقة التالية :

كل بيت جعله الطاعن غرضاً له فأساء فهمَه أو حرفه عن موضعه؛ تناوله أبو العلاء ووضّح قصده فيه؛ مُستنِداً في كل ذلك إلى ثقافته الواسعة، وإلى حافظة تفيض بما يدعم رأيه، ويدحض حجج خصمه.

 وبين أبو العلاء أن خصمه قام بانتقاء أبيات من اللزوميات؛ يكتنفها الغموض وتفتح باباً للأخذ والرد، ويحتاج تفهمها إلى علم غزير ودراية واسعة بأساليب القول وأحكام المنظوم والمنثور. وتغافل عن أبيات كثيرة وصريحة تشهد لقائلها بحسن المعتقد وقوة العقيدة [25].

والأستاذ أمجد يعتبر براءة الذمة هي الأصل، ويلاحظ أن قارئ هذه الصفحات من الزجر لا يسعه إلا أن يبرٍّئ ذمة أبي العلاء؛ إذ يلمس حرص هذا الأخير على إقناع الناس ببراءته، والكشف عما في اتهامات خصمه من تعنت وتحامل.

ولاحظ الأستاذ أمجد أن كلام أبي العلاء ينساب هادئاً في كثير من تعليقاته، ولكنه يخرج في بعضها إلى السخرية والعنف في تفنيد مزاعم خصمه. " فهو أحياناً يرد إلى خصمه تهمة الإلحاد ويكيل له فيها الصاع صاعين، فيقول له :

 " ما أجهل هذا الملحد وما أقل معرفته بالكلام. أيجعل التعجب من الشيء إنكاراً له، أي نفياً ؟ فأبعده الله …. وإن مَن يجعل هذا نكيراً لغيْرُ مأمونٍ أن يدعيَ على القائلين ( لا إله إلاَّ الله ) أنهم ملحدون؛ لأنهم ابتدءوا في أول كلامهم بالنفي " [ 28 ].

ويعمد أبو العلاء أحياناً أخرى إلى السخرية من خصمه؛ يشفي بها غيظه ويجعله أُضحوكة يتلهّى بها القارئ. ووجد الأستاذ أمجد أن أبا العلاء قد تجاوز الحد في وصف خصمه بأقبح النعوت.

 فكيف قابل الأستاذ أمجد، بعمقه الإنساني وإيمانه بالتجرد في العلم، أسلوب أبي العلاء وموقفه هذا ؟ ماذا يقول في أبي العلاء وهو ينهال عل خصمه بأقذع الشتائم، ويصمه بالبهيمية والجنون ؟ يقول :

 " وقد يهُمُّ القارئ، وهو يمر بهذه العبارات وأشباهها، أن يوجّه اللوم عنيفا إلى أبي العلاء على هذا العنف في الخطاب. ثم يعود إلى نفسه قائلاً : لعلَّ له عذراً وأنت تلوم. ومَن يدري ؟ لعل القارئ لو أُتيح له أن يطلع على أقوال الطاعن، وما قد تكون قد تضمنته من لاذع القذف وقوارص التهم ؛ لالتمس لأبي العلاء بعض العذر في أمثال هذه النزوات. ولن ينسى القارئ على كل حال أن موقف المعري إنما هو موقف المدافع عن فكره وعقيدته وحياته أمام خصم لدود واغر الصدر قد بدأه بالوقيعة والشر. والبادئ أظلم. ولا ريب أن كلام هذا الخصم المتهجم كان قاسيا وجارحا يحز في نفس أبي العلاء حزا عميقاً؛ وذلك واضح في الألم المكبوت الذي كان أبو العلاء يطوي عليه أحناء صدره، فتفضحه بين حين وحين صرخات تندُّ عنه فلا يستطيع لها ردّاً؛ ولا سيما حين يلتفت حواليه فلا يجد من ينصره على جهل مُمعِنٍ في سفهه وتطاوله، وتشرُّر باغٍ لا حدَّ لجوره وتحامله " [ 30 - 31 ].

وأرى أن هذا الرأي  يقدم صورة  دقيقة عن نفسية الأستاذ أمجد العالم الباحث والإنسان، ويكشف عن مدى معرفته بنفسية بأبي العلاء، ومدى اتزانه واعتداله فيما يُعرض عليه من أحكام وقضايا، وصورة من أدائه البياني. ويبدو لي أن لأبي العلاء مكانة خاصة في وجدان الأستاذ أمجد. وقد كان أول باحث تناول اللغة والنقد في رسالة الغفران ومن خلالهما فتح آفاقاً في الدراسات العلائية ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك .

وتجاوزاً عن اللهجة التي اصطبغت بها أقوال أبي العلاء؛ فإن الأستاذ أمجد قد اعتد بهذه المقتطفات من  زجر النابح ، واعتبرها وثائق ثمينة في الدراسات العلائية؛ إذ هي دفاعٌ عن الذات، وإثبات للبراءة من الإلحاد وتصحيح لما أُثير من شبهات. وثائق يجد فيها الباحثون ما دافع به أبو العلاء عن نفسه، وما قدَّمه من توضيح لآرائه في ديوان اللزوميات.

وإجمالاً فإن قيمة زجر النابح  وأهميته، تتمثل في تقدير أستاذنا في النواحي التالية :

 فهو يكشف عما أثاره ديوان " اللزوميات " من قضايا تمس العقائد والأديان، وتُثير الشكوك في عقيدة أبي العلاء؛ مما دفع ببعضهم إلى تكفيره.

- وهو يُقدم تقويماً معقولاً للكثير من التأويلات الخاطئة التي تأوَّلها عليه خصومه .

- كما يُقدم  تصحيحاً للتُّهم التي كان يُسددها إليه الطاعنون. فأبو العلاء يُدافع عن نفسه، ويُوضّح آراءه في ديوانه اللزوميات.

- كما يجد الباحثون فيه " صوراً لعذاب أبي العلاء الوجداني وشقائه الفكري في هذا العصر " [ 33 ].

وتمنى الأستاذ أمجد في الأخير أن تكشف الأيام في ساعة من ساعات نعماها عن كتاب " الزجر " بتمامه لما له من أهمية في توضيح آراء أبي العلاء في ديوانه الخالد " لزوم ما لا يلزم ". وتمضي الأيام، ولا يتكشّف من أمر  زجر النابح  شيء، وتمضي روح الأستاذ أمجد إلى روح باريها بتاريخ : الأحد 3 ذو القعدة 1421 هـ ، الموافق : 28 يناير 2001 م، بباريس، ولم يُعرف شيء من بقية  " زجر النابح ".

 

تاسعاً : توزيع المقتطفات وفق ترتيب الأبيات

 

أحصى الأستاذ أمجد النصوص التي استخلصها من  المخطوط فوجدها تسعة وثمانين نصا، تتصل كلها بعدد مماثل من أقوال المعري في ( اللزوميات )؛ فنشرها متسلسلة وفق ترتيب الأبيات المتعلقة بها.

وهكذا اتبع القواعد التالية في توزيعها ونشرها :

1 – رتب التعليقات بحسب تتابع ورودها في هوامش المخطوطة، ووضع لها أرقاماً. يقول: " وقد آثرنا في نشر هذه المقتطفات أن نُبرزها في إطار واضح يُيَسّر على القارئ تناولها ودراستها " [ 14 ].

2 وضع في نهاية كل نص رقم الورقة التي ورد فيها ( أ = وجه الورقة الأول ، ب = وجهها الخلفي ).

3 - أثبت البيت أو الأبيات التي هي موضع التعليقات .

4 -وأشار في الحاشية إلى موضع هذا البيت أو الأبيات من القصيدة في الديوان.

 5 - وضع بين معقوفين هكذا [   ]  ما ورد مطموساً أو سقط سهواً؛ اعتماداً على المراجع المعروفة ، أو تبعاً للسياق، مع الإشارة دوماً إلى طريقة التقدير في الحواشي. وأبدى الأستاذ مهارة فائقة في اجتهاداته في العبارات التي  أوردها بين المعقوفات، واقترحها لتحل محل ما طُمس من المخطوطة. فالمثال الأول من الكتاب المحقق يأتي هكذا:

إذا نزلَ المقدارُ لمْ يكُ للقطا      نهوضٌ ولا للمُخْدرات إباءُ

 

قال أبو العلاء تعليقاً على هذا البيت :

الذين [ يُقرون للبشر ] بعلم الغيب والمُلْحدة لا يقولون بالقدر و [أما المؤمن من ] يصدق بالخطاب المنزل، بدليل قوله تعالى " الله يعلم ما تحمل كل أنثى …الآية. [ وقوله : قل لا يعلم من في السموات والأرض ] الغيب …الآية. هذا كلامه في زجر النابح هـ  " [ ص.3]  ( وما بين المعقوفات مطموس في الأصل ).

6 -  وعندما يتعذَّر ما جاء مطموساً تتم الإشارة إليه  هكذا [ . . . ]

 

عاشراً : الهوامش والفهارس

 

أ - من مميزات الهوامش  :

ربط المقتطفات بديوان اللزوميات، وبالقصيدة التي ورد فيها البيت أو الأبيات، تحديد الجزء والصفحة.

- الحرص على اختصار الشروح والتعليقات والاكتفاء منها بالضروري الذي لا يُستغنى عنه؛ " وذلك كي يبقى لأبي العلاء النصيب الأوفى من الكتاب الذي هو كتابه قبل كل شيء، ولظل القارئ وجهاً لوجه مع المؤلف حُرّاً في فهم مرامي كلامه والحكم له أو عليه " [ 14 ].

- تخريج الآيات القرآنية – الترجمة للأعلام

ب – الفهارس

  (1) بدأ بمراجع التحق مرتبة على الحروف الهجائية.

  (2) وضع لائحة خاصة بالمعاجم التي استعان بها في التحقيق مرتبة أيضا على الحروف الهجائية.

 (3) وضع فهرساً لقوافي أبيات " لزوم ما لا يلزم "  وفهرساً للأبيات الأخرى مرتبة حسب صفحاتها  ونجد الأستاذ أمجد لا يكتفي بوضع الكلمة الأخيرة من البيت لبيان القافية؛ وإنما يضع عبارة كاملة.

(4) ثم أتى بفهرس الآيات القرآنية مرتبة على أول فعل يرد في بداية كل آية؛ مشيراً إلى صفحات ورودها،  دون أن يُعيد اسم السورة ورقم الآية الواردتين في هوامش الصفحات المذكورة.

(5) فهرس الأحاديث النبوية، مرتبة حسب أوائلها.

(6) فهرس الأعلام، مرتبة ترتيبا ألفبائيا.

 

وفي الأخير، نستخلص الالتزام بمنهج التحقيق، واستقصاء وجوه الحكم؛ مع اعتبار  براءة الذمة هي الأصل. وإلى جانب التدقيق في الحكم والاعتدال فيه؛ هناك الدقة في التعبير. وكما عوَّدنا الأستاذ في محاضراته، فالبلاغة عنده لَمحة دالة، تراه لا يتزيَّد ولا يُبالغ في الكلام، ولا يُطنب فيه. ولا تشتم من عبارته ادعاءً أو زهواً أو تعريضاً، أو تعالياً، أو قسوة. ومع إيجازه في أداء المعاني، تأتي الأفكار من كل جانب؛ لتُؤكد ما انتهى إليه قوله. ولغته تنساب في جلال ومهابة ووقار، ويمور في هدوئها عنفوان العربية في صفائها وشموخها، وقوتها على الأداء البياني.

كان للأستاذ أمجد فضلُ اكتشاف هذا المخطوط، فلم يدَّعِ لنفسه هذا الفضل؛ بالرغم مما لكتاب زجر النابح من أهمية في الدراسات العلائيه القريبة من نفسه ومن اهتماماته.

فماذا قال الأستاذ أمجد يوم عثر على تلك المقتطفات في الجزء الأول من ديوان لزوم ما لا يلزم " ؟ ماذا قال وهو يكتشف هذا الأثر العلائي بقسم المخطوطات في المتحف البريطاني ؟ قال :

" وقد أشار بروكلمان إلى هذه النسخة المخطوطة من اللزوميات دون أن يشير إلى ما تضمنته هوامش صفحاتها؛ مما يدل على أنه لم يطلع على هذه النسخة بنفسه، وإنما ذكرها نقلاً عن فهرس المخطوطات العربية في المتحف البريطاني، الذي لم يشر هو أيضاً إلى هذه المقتطفات القيمة في هوامش النسخة، بل اكتفى بالإشارة إلى أن المخطوطة تحتوي على الجزء الأول من " لزوم ما يلزم " … [ 9] قال الأستاذ هذا بكل هدوء، ولم يذكر أنه كان أول من اكتشف هذه المقتطفات في العصر الحديث، وأول من نبه إليها وقدم عنها دراسة دقيقة.

 

ضاع تحقيق " الصاهل والشاحج " وبقيت منه مقدمة التحقيق

 

[  رسالة الصاهل والشاحج لأبي العلاء : د. أمجد الطرابلسي، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق جـ 2، مجلد 49، دمشق 1394هـ/ 1974م. مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.  والأرقام الواردة بين معقوفين تشير إلى أرقام الصفحات في للمقالة في المجلة ].

ضاع من آثار أمجد تحقيقه لرسالة " الصاهل والشاحج "، وحرمت منه الخزانه العلائية، أو قل الخزانة العربية. وكان للمرحوم بأبي العلاء المعري اهتمام علمي خاص. ويوم اقترب إخراج " الصاهل والشاحج "  إلى النور؛ ظهر تحقيق يحمل اسم بنت الشاطئ، فتوارت لحظة سعادة في حياة أمجد وتوارى التحقيق بين أوراق أمجد. أتراه ما يزال بين ما تبقى من آثاره ؟ وهل تجود الأيام بعودة هذا التحقيق إلى الوجود ؟  لعل الخبر اليقين عند ابنه سامي الطرابلسي. وعلى أي، فقد بقي عن هذا التحقيق دراسة في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، قد كتبها وهو بالرباط سنة 1974. وسأتولى تقديمها هنا، في النقاط الآتية :

أولا : نسبة " الصاهل والشاحج " إلى أبي العلاء

تحدث عن هذه الرسالة القدماء، ونسبوها إلى أبي العلاء المعري. ويُستفاد مما ورد عند كل من وياقوت (626هـ) في معجم الأدباء، والقفطي (646هـ) في إنباه الرواة، ما يلي :

1 - كانت رسالة الصاهل والشاحج من التصانيف العلائية التي تمت معاينتها.

2 - حجمها: أربعون كراسة.

3 - موضوعها حوار بين فرس (الصاهل) وبغل (الشاحج).

4 - الأمير الذي صنفت من أجله الرسالة هو أبو شجاع فاتك الملقب بعزيز الدولة ولي حلب من قبل المصريين، وكان روميا.

وأشار د. أمجد إلى أن أبا القاسم الكلاعي (من أدباء الأندلس في القرن السادس للهجرة) في إطار إعجابه بأبي العلاء، ومعارضته لكتبه؛ قد عارض رسالة " الصاهل والشاحج " وأثبت نماذج منها. ومما قاله الكلاعي عن معارضته في كتابه " إحكام صنعة الكلام " قوله:

 "وما أنا في مضاهاته في رسالة الصاهل والشاحج إلى كمن ضاهى بالنَّغْبَة عباب البحر المائج " [ ص.27] .

ويعلق د. أمجد بقوله: "وربما كانت هذه الاقتباسات القليلة التي أوردها من الصاهل والشاحج هي كل ما نَعثر عليه في كتب القدماء من كلام أبي العلاء في هذه الرسالة " [3].

وفي ضوء تحقيقه لنص رسالة الصاهب والشاحج لاحظ د.أمجد أن ما نقله الكلاعي يدل على دقة وأمانة [3].

ثانيا: أسباب التأليف

هناك سبب مباشر تمثل في دعوة عزيز الدولة، والي حلب، أن يتنازل عن حق أرض يملكها أولاد أخ لأبي العلاء، وهذه الرسالة تسأله الصفح عن هذا الحق."" فإن جاءت بالنجح فلله الحمد ، وإن خابت فهي حقيقة بالخيبة"[4].

ولاحظ د. أمجد من خلال ما أورده أبو العلاء في شأن وساطته هذه أن في كلامه  " من رحمة الأقرباء مثل ما فيه من الأنفة والتأبِّي عن المسألة، وحسن التصرف في مخاطبة أولي الأمر" [5].

وهنا سبب غير مباشر؛ فإلى جانب الحاجة إلى إسعاد أقربائه هناك رغبة أبي العلاء في الاتصال بعزيز الدولة منذ أرسل إليه يستقدمه إلى حلب، وكلف كاتبه أبا نصر صدقة بن يوسف الفلاحي أن يبلغ المعري رغبته هذه [5].

 

واستنبط الأستاذ أمجد هذا السبب غير المباشر من إحدى رسائل أبي العلاء إلى أبي نصر صدقة المذكور، وهي واردة ضمن رسائل أبي العلاء التي نشرها المستشرق مارجليوث(1858   1940)، سنة 1898. ومما جاء فيها: "ما حمامة ذات طوق، ُيضرَبُ بها المثل في الشوق بأشوق إلى المعيشة النضرة مني إلى تلك الحضرة " [5].

ويعتذر عن سبب تخلفه عن لقاء الأمير فيقول: " إني تخلفت عن خدمته بمرض، منع من أداء المفترض" [6].

ثالثا : صورة عزيز الدولة في التاريخ ومن خلال هذه الرسالة

ذهب الأستاذ أمجد ينقب عن صورة عزيز الدولة في كتب التاريخ كما أبرز صورته من خلال أقوال المعري في الصاهل والشاحج؛ ووجد أنها أدق وأسمى مما هي عليه عند المؤرخين. واستخلص أمجد الجوانب العلمية والسياسية والشخصية من حياة عزيز الدولة، ولاحظ " أن أبا العلاء قد أضفى على الصورة كثيراً من التهاويل جريا على طريقته المعروفة في ثنائه على معاصريه كباراً وصغاراً؛ فقد كان إفراطه في تقريظهم لا يعدله إلاَّ تفريطُه المتعمَّد في حق نفسه " [10].

رابعا : عنوان الكتاب وأقسامه

بطل الرسالة، كما يقول الأستاذ أمجد؛ هو الشاحج؛ وهو بغل عاقل صابر يُدير السانية، وهو معصوب العينين، على اختلاف الفصول.  وذات يوم توقف فارس قرب السانية ؛ ليمكن فرسه من الشرب ودار بينها هذا الحوار الذي شاركت فيه حيوانات أخرى ( الضبع، الفاختة، الجمل، والثعلب ). والكتاب يُعتبر " حلقة في سلسلة ما صُنف في الأدب العربي نثراً وشعراً على ألسن الحيوان " [ 10 ]، وإن كان يختلف عنها كليا من حيث الغرض والتبويب.

ويقع الكتاب في قسمين يتميز أحدهما عن الآخر من حيث الشخصيات المتجاورة، ومن حيث موضوع  الحوار.

يدور الكلام في القسم الأول بين الصاهل والشاحج، وموضوعه "هو شقاء الشاحج في عمله ورغبته في الاتصال بعزيز الدولة ليرفع إليه شكواه، وليطلعه على ما عنده من علم وأدب" [11].

وأما القسم الثاني فيدور فيه الحديث بين الشاحج والثعلب، وموضوعه خروج الناس من أوطانهم فراراً؛ بعد أن ترامى إليهم رغبة الروم في اجتياح بلادهم.

وعرض الأستاذ أمجد مضمون كل قسم بصورة مفصلة دقيقة تكشف من خلالها الحس التاريخي الكامن في ثقافة الأستاذ أمجد وقراءته المستوعبة لمضمون الكتاب والإحاطة بجوانبه في ضوء آثار أبي العلاء.

هامش المبحث الخامس

 

 

المبحث السادس

 

 الطرابلسي مترجماً

وموقفه من مسألة التأثير الأرسطي في البيان العربي

 

أولاً : الطرابلسي مترجماً :

 

( ترجمته للفصلين : الأول والثاني من كتاب الشعر لأرسطو)

 

لقد أطلعني الأستاذ الفاضل محمد العربي المتني من مدينة طنجة بتاريخ 5 مارس 2001، على هذين الفصلين اللذين ترجمهما الأستاذ أمجد يوم كان يُدرس كتاب الشعر لأرسطو في السلك الثالث لعام 1981 1982 بالرباط. ومما كتبه إلي الأستاذ محمد العربي البتي : " ما زلت أحتفظ بدُرّتين ثمينتين من دُرر العلامة أمجد رحمه الله تعالى وأماليه الساحرة، وهما ترجمته للفصلين الأول والثاني من كتاب( في الشعر ) لأرسطو ... وقد سجلتهما بعناية فائقة وقابلتهما بالترجمة الفرنسية الأخيرة التي أتوفر عليها (أي ترجمة  : روك / لالو )

الفصل الأول من كتاب فن الشعر لأرسطو، ترجمة د. أمجد الطرابلسي اعتمادا على:

1/ La poetique (Aristote) traduction Joseph Hardy 1930

2/La poetique (Aristote) traduction Dupont Roc et Lallot 1980

( سنتحدثُ فيما يلي عن فنِّ الشعر في ذاته، وعن أنواعه؛ ناظرين إلى كلِّ نوع من حيث غايتُه الخاصةُ به، ثم نتحدثُ عن الطريقة التي يحسُن اتباعُها في تأليف القصص إذا أُرِيدَ للشعر أن يكون جيدا، ونتحدثُ كذلك عن عدد الأجزاء التي يتألف منها الشعر، وطبيعةِ كُلِّ من هذه الجزاء، ومن كل القضايا الأخرى المتصلةِ بهذا البحث؛ بادئين بما هو أحقُّ بالتعديل ومُراعين في ذلك التسلسلَ الطبيعيَّ.

إن الملحمةَ والشعرَ الدراميَّ، ومثلهما في ذلك الملهاة والفن الديثرامبي، ومُعظمُ ما يأتي به فنُّ العزف على الناي والقيثارة هيَ كلُّها فنونٌ تشترك في كونها أنماطا من المحاكاة، لكنها تختلف فيما بينها من وجوهٍ ثلاثةٍ: فهي إما أن تُحاكيَ بوسائلَ مختلفةٍ أو تُحاكيَ بأشياءَ متباينةً، أو تُحاكيَ بطُرُقٍ مُتعَدِّدَةٍ.

وكما أن بعضَ الناس، بحُكْمِ الصناعة أو العادة، يستعينون بالألوان والأشكال ليُحاكوا بالتصوير كثيراً من الموضوعات، بينما يلجأ آخرون إلى الصوت لتحقيق الشيء نفسِه، كذلك الأمرُ في هذه الفنون التي سَبَقَ ذكرُها، فهي كلُّها تُحقق المحاكاة بوساطة الإيقاع والكلام واللحن. ولكنَّ كُلًّا من هذه الوسائل قد تُستعمل بمفردها أو مُمتزجة بإحدى الوسيلتين الأُخْرَيَيْن أو بكليهما، فالعزف على الناي أو القيثارة وكل أنواع العزف المماثلة كمِزْمار الراعي مثلا، هي فنونٌ تعتمد في المحاكاة على اللحن والإيقاع وحدهما، أما فن الرقص فهو يعتمد في المحاكاة على الإيقاع وحدَهُ دون اللحن، بمعنى أنَّ الراقصين إنما يعتمدون على تشكيل الإيقاعات المختلفة لمُحاكاة الطبائعِ ولأهواءِ والأفعالِ.

أما الفنُّ الذي يعتمد في محاكاته على وسيلة الكلام وحدَهَا نثراً أو نظمًا، والذي يَمْزِجُُ في حال اعتماده على النظم بين أوزان متعددة أو يَكتفي بوزن واحد؛ إن هذا الفن مازال حتى يومنا هذا غُفْلاً من الأسماء. فليس لدينا مصطلح مشترَك يُمكن إطلاقُه في الوقت نفسِه على إيمائيات سُوفْرُون واكْسِينَرْخوس، وعلى المحاورات السقراطية، وعلى المُحاكيات التي تُنْظم في الوزن الثلاثي أو الأوزان الإيلجية أوغيرها من الأوزان المماثلة. وبسبب انعدام هذا المصطلح يكتفي الناس بأن يُلصقوا لفظةَ شاعر باسم الوزن المستعمَل، فيسمون هؤلاء الشعراء إيليجيين وأولئك شعراء ملحمِيِّين، أي أنهم لا يسمونهم بهذه الأسماء تعبيراً عما في فنهم من محاكاة بل تَبَعاً للأوزان التي يستخدمونها، ودون تفريق بينهم في المميزات الأساسية، بل لقد جرتْ العادة أن يُطلقوا صفة َالشاعر على الذين يُعالجون موضوعاً من موضوعات الطب أو التاريخ الطبيعي نَظْماً، مع أنه ليس هناك من صفة مشتركة بين هوميروس وأَنْبَادُوقْليس سوى الوزن. والعدلُ يقتضي أن يُسمى الأول شاعراً، أما الثاني فهو أولى أن يُسمى عالماً طبيعياً. وهذا الاعتبار نفسه ينطبق أيضا على من يُحقق المحاكاةَ ولو جَمَعَ بين أوزان متعددة كما فعل خيرمون في منظومته " قنطورس" التي تكاد تكون مزيجاً من كل الأوزان المعروفة، فهو بدَوْره يجب أن يُسمى شاعرا. هذه هي ضروب التمييز التي لم يكن بد من تبيينها في هذا المجال. ثم إنَّ مِن الشعراء من يستعمل كلَّ وسائل المحاكاة التي سبقتِ الإشارة ُإليها وهي الإيقاع واللحن والوزن، كما هو الشأن في الفن الديثرامبي والنُّومي والمأساة والملهاة. والفرق بينهم هو أن بعض هؤلاء الشعراء يستعمل هذه الوسائل في آن واحد، بينما يستعملها بعضهم الآخر بالتناوب. تلك هي، بين الفنون، الفروقُ التي تتصل بوسائل المحاكاة ).

 

الفصل الثاني من كتاب فن الشعر لأرسطو

ترجمة د. أمجد الطرابلسي، اعتماداً على الترجمتين الفرنسيتين:

1/ La poetique (Aristote) traduction Joseph Hardy 1930

2/La poetique (Aristote) traduction Dupont Roc et Lallot 1980

 

( إن أخلاق الناس تكاد تنحصر في نموذَجَيْن، نموذجِ الأخيار، ونموذجِ الأشرار. والتمييزُ بين الناس جميعا إنما يكون على أساس الرذيلة والفضيلة. وبما أن الذين يُحاكون إنما يُحاكون أشخاصا في حال العمل، وهؤلاء الأشخاصُ المُحَاكَوْنَ قد يكونون أخياراً أو أشراراً، أي شَرّاً منا، أو خَيْراً منا أو شبيهين بنا، وذلك كما يفعل الرسَّامون في رسومهم، فالرسَّام فولوغنوطُوس كان يرسُم أشخاصَه خيراً ممَّا هم عليه في واقعهم، والرسَّام فاوسُون كان يمثلهم دونما هُمْ عليه في واقعهم، والرسام ديونِيسيوس كان يصورهم كما هم في واقعهم؛ فإنه من الطبيعي أن ينطويَ كل نوع من أنواع المُحَاكِيَات التي سبقت الإشارةُ إليها على مثل هذه الفروق، وأن يتميّز من الفنون الأخرى بكونه يحاكي أغراضاً متميزة في ضوء المعيار الذي تحدثنا عنه.

ونحن في واقع الأمر نجد مثل هذه الفروق في فن الرقص، وفي فن العزف على الناي أو على القيثارة، أو كما نجدها في الكتابات النثرية أو الشعرية التي لا يرافقها أيُّ عزف، مثال ذلك هوميروس الذي صَوَّرَ أشخاصَه خيراً مما هم عليه في الواقع، وكليوفون الذي صورهم كما هم في الواقع، وهيجيمون الثاسوسي ونيكوخاريس اللذان صورَا أشخاصَهما دونما هم عليه في الواقع. وأولُ هذيْن الأخيريْن كان مؤلفا لمعارضات ساخرة - باروديا  - وثانيهما هو الذي ألف الدايلاذة - معارضة ساخرة للإلياذة -. ومن الممكن ملاحظةُ الفروقِ نفْسِها في كل من الشعر الديثرامبي والشعر النُّومي، كما فعل كل من تيموطاوس وفيلوكسانس في تصويرهما لِلْكِيكْلُوبس.

والتمييزُ بين المأساة والملهاة إنما يقوم بدوره على هذا التباين نفسه، فالملهاة تريد تمثيل أشخاصها شراً من الناس المعاصرين ؛ بينما المأساةُ تطمَحُ إلى تصويرهم خيراً من هؤلاء الناس المعاصرين.

 

ثانياً : موقفه من مسألة التأثير الأرسطي في البيان العربي

 

والأستاذ أمجد من أوائل الباحثين العرب الذين أسهموا في دراسة النقد العربي القديم وممن فتحوا مجالات القول فيه، وممن عبدوا سبله وحددوا اتجاهاته وقضاياه وقد جرت مناقشة أطروحته، تحت اشراف ريجيس بلاشير المتوفي سنة 1973 (وقد جرت المناقشة يوم السادس من يناير سنة 1945 في أعقاب الحرب العالمية الثانية في أوربا ، وعنوانها : نقد الشعر عند العرب حتى القرن الخامس للهجرة ، ط1 بالفرنسية ، منشورات المعهد الفرنسي بدمشق ، 1956 ، وترجمها د. إدريس بلمليح - ط1 ، الدار البيضاء ، دار توبقال ، 1993 ).

 وبحث د. أمجد هذا وإن كان إنجازه موازيا للنقد المنهجي عند العرب الذي  قدمه محمد مندور تحت إشراف ريجيس بلاشير قبله بقليل ؛ فإن  الأطروحتين تختلفان في الرؤية والمنهج، ولم يكن قبلهما من  تناول النقد العربي القديم بالبحث سوى أحمد طه إبراهيم وقبله يمكن أن نشير إلى أول من قدم جهدا في مجال التأريخ للنقد الأدبي عند العرب  وهو د. أحمد ضيف (1880-1945) في أطروحته:  بحث حول الغنائية والنقد عند العرب ، ولم ينشر هذا البحث بالعربية ، فيما أعلم .

وقد حدد د. أمجد مقاصده في مقدمة الطبعة العربية برغبته في استيعاب المفاهيم الشعرية لدى النقاد العرب القدامى، والتعريف بالشعرية العربية التي ما تزال مجهولة في خطوطها الكبرى ليكون هذا البحث خير عون على كتابة تاريخ الأدب العربي الذي ما يزال في بداية تكونه (مقدمة الطبعة الفرنسية:11).

ومن مقاصده في هذا البحث الدفاع عن الحضارة العربية الإسلامية لمكانتها الممتازة في تاريخ البشرية، والدفاع عن وجود نقد عربي له أهميته ومكانته في تاريخ التراث البشري.

وأبدأ من الخلاصات التي انتهى إليها في أطروحته، والتي يكشف فيها عن مميزات النقد العربي في سيرورته التاريخية إلى حدود القرن الهجري الخامس:

أ - وجد د. أمجد الطرابلسي أن نقد الشعر عند العرب في العصر الوسيط ظل عربيا صميما، وأن الكتابات النقدية ظلت في تطوها محافظة على مبادئها الأصلية لا تعرف تجديدا مهما لكنها تتكامل في النهاية، ويصبح النقاد السابقون هم المصدر الذي تستقى منه المادة النقدية؛ وفي هذا السياق وجد أن التأثير الهيلِّيني كان محدودا. فإذا كان كتاب الخطابة قد أسهم في تطور البديع، فإن كتاب الشعر عموما ، لم يقتحم عالم النقد؛ لأنه يتناول موضوعا يجهله النقاد جهلا تاما.

إن هذا الإحساس القومي في النقد العربي يرجعه د. أمجد إلى إحساس العرب بقوميتهم في مجال الشعر، ثم إن الكتابات النقدية تنبعث من داخل الأعمال الشعرية وليس من خارجها. ورأى أن الشعر العربي ظل بعيدا عن كل تأثير خارجي [246].

ولاحظ أن الترجمة لم تمس المجال الشعري لدى اليونان، وحتى وإن تمت تلك الترجمة؛ فإن حظها من الانتشار قليل ؛ لما تحتوي عليه من تعدد الآلهة ومن ميثولوجية لا تنسجم مع معتقدات التوحيد . وإذا كان د. أحمد ضيف يعتبر أن النقص من التأثير الخارجي على النقد العربي كان هو السبب في ضعف هذا النقد؛ فإن د. أمجد يخالفه الرأي، ويجد أن النقد العربي ارتبط بمتن شعري عربي محلي، وأن الشعرية العربية، شأن الشعر، لم تتأثر بشكل واسع بالأثر الخارجي، فبقيت عموما بعيدة عن التأثير.

وأرجع هذا إلى عاملين اثنين:

1 - ترجمة مشوهة شكلا ومضمونا، لم تقدم للنقاد العرب مفاهيم واضحة، والمترجم نفسه لم يفهم موضوع الكتاب ولم يدرك مفاهيمه، فعبر عنه بعبارات قلقة سقيمة.

2 - جهل العرب بالمأساة وبالشعر الدرامي. يقول د.أمجد الطرابلسي: " إن نظرية المأساة هي المضمون الأساسي لكتاب الشعر، ونحن نعرف مبدئيا أن الأدب العربي يجهل الشعر الدرامي، وأن المثقفين العرب الذين عاشوا في القرن الثالث والرابع لم يكونوا يمتلكون أي فكرة عن التراجيدية"[77].

وترجمة كلمة تراجيديةّ بكلمة مديح وكلمة كوميدية بكلمة هجاء، أحدثت فوضى لا حد لها في فهم التراجيدية، فأصبحنا أمام أجزاء المدح الستة : المنظر في المدح ، النشيد في المدح ، الخرافة في المدح، ولغة لا معنى لها.

وعن تأثير كتاب الخطابة، يقول: "ولعل تأثير "خطابة" أرسطو في النقد العربي كان أبلغ من التأثير الذي مارسه كتاب الشعر.

واعتبر د. أمجد ظهور الكتاب في المناخ العربي عاملا في بلورة الرؤية البيانية العربية، وكأن المناهضين للتأثيرات الخارجية قد تصدوا لتأثير كتاب الخطابة بالاجتهاد في وضع دراسات بلاغية والارتقاء بها إلى مستوى أرسطو أو إلى ما يفوقه، فتمخض عن ذلك خلق علم جديد هو علم البديع  [80-81].

وهكذا ذهب د. أمجد إلى أن نقل كتاب الخطابة إلى العربية، كان له دوره في إثارة هذا الحماس، ولا سيما الجزء الأخير من الكتاب المذكور الذي يتضمن حديث أرسطو عن العبارة، فهو الجزء الوحيد الذي كان في الإمكان تكييفه ليصبح ملائما للأسلوبية العربية [81].

وكانت هناك مناهضة لهذا الفكر الوافد ؛ بإثبات أن الوجوه البديعية والبيانية قديمة في التراث العربي؛ وجدت قبل معرفة أرسطو ؛ فهي مبثوثة في القرآن وفي التراث الشعري القديم، وذلك لدفع ادعاء مفاده أن المحدثين هم الذين اخترعوا صيغ البديع، فينتج عن ذلك أن التأثير الأجنبي قد كان وراء هذا الاختراع [82].

ومناهضة هذا الفكر الوافد أسهمت في إخصاب البلاغة العربية وبلورة قضاياها، ونعني بهذا - يقول أمجد - أن علماء العرب لم يقنعوا ببلاغة أرسطو، فاتجهوا إلى آدابهم القديمة ليدرسوا جميع طرقها التعبيرية، وكانت النتيجة أن تضاعف عدد الوجوه البديعية في كتبهم بشكل تصاعدي. إن علم البديع كما نعرفه اليوم عربي في مصطلحه وفي أمثلته وتطبيقاته. وعبثا نبحث فيه من سمة أجنبية [82].

ب - فالنقد العربي، نقد قومي، محافظ، مرتبط بالماضي.

جـ -  ولما كان النقد العربي قد انحدر من الدرس اللغوي؛ فان نقد الشعر العربي ظل محافظا على طبيعته اللغوية.

د - وتميز النقد العربي بالدغمائية، وحضور القواعد أي التقنيين والتقعيد.

ويلاحظ أن قدامة بن جعفر الذي يعتبره كل الدارسين نموذجا بارزا في مسألة التأثير الأرسطي: نجد د.أمجد يدعو إلى عدم المبالغة في تقدير ذلك التأثير فيه.

ومن سنة 1961 إلى سنة 1991 ظهرت نصوص محققة لها صلت بمسألة التأثير، بل إن هذه النصوص المحققة في تونس والمغرب قد أعطت لمقولة التأثير أبعادا جديدة. فهذا كتاب منهاج البلغاء وسراج الأدباء لحازم القرطاجني (684هـ) قد أعطى لهذه المقولة أنفاسا جديدة ترددت في كثير من البحوث الجامعية.

وذكر محمد الحبيب بلخوجة في مقدمة تحقيقه لكتاب منهاج البلغاء وسراج الأدباء [ط1، 1966]. أن بظهور كتاب حازم القرطاجني تنزاح كثير من الشكوك التي أحاطت بمسألة التأثيرات الهيلِّينية، وذهب إلى أن الدكتور أمجد الطرابلسي ينكر مسألة التأثير إنكارا مطلقا في كتابه نقد الشعر عند العرب، ويأتي في مقابله د.إ براهيم سلامة الذي يقر بوجود تلك التأثيرات في كتابه بلاغة أرسطو بين العرب واليونان.

وفي تصديره لكتاب المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، تحدث د. أمجد عن مدرسة بلاغية عربية مغربية، أشهر أعلامها حازم القرطاجني (684هـ) وابن البناء العددي (721هـ) والسجلماسي صاحب المنزع الذي انتهى من تأليفه سنة (704هـ). ولاحظ أن المدرسة كانت " أحسن اطلاعا على منطق أرسطو، وأعمق فهما لمضمون كتابيه: الشعر والخطابة من النقاد والبلاغيين الذين عرفتهم القرون السابقة في مشرق الوطن العربي ومغربه " [12].

ونتيجة تفتح أعلام هذه المدرسة على التفكير الأرسطي، استطاعوا تلقيح الدرس البلاغي ببعض الأفكار الهيلِّينية تلقيحا ينم في الغالب عن فهم ووعي جديرين بالتقدير [12].

 ويرى د. أمجد أن هذه المدرسة مدينة بظهورها في الغرب الإسلامي إلى آثار ابن رشد وتلخيصاته لمصنفات المعلم الأول [14].

 

المبحث السابع :

 ومات الأستاذ أمجد الطرابلسي غريباً عن أمته

مات أستاذ الأجيال

          (10 رجب 1334هـ – 3 ذو اقعدة 1421 هـ / 13 ماي 1916 - 28 يناير 2001 م)

 

  [ في يوم الأحد الثالث من شهر ذي القعدة 1421 هـ الموافق ليوم 28 يناير 2001 م، انتقل إلى رحمة الله أستاذ الأجيال أمجد الطرابلسي. أخبرني بذلك سامي الطرابلسي، ابنه الأكبر  على الساعة الخامسة بعد الزوال من يوم الثلاثاء، وأخبرني عن طريق الهاتف أن والده انتقل إلى عفو الله تعالى على الساعة الخامسة من  صباح اليوم الأحد، وأنه سيُدفن بمقبرة كوربفوا   (courbevoi ) بباريس يوم الأربعاء 31 يناير 2001 ؛  ليظل قبره قريبا من زوجته التي تفانت في خدمته والعناية به ].

 وعاد إلى الصقيع ليموت غريباً ، بعيداً عن ديار بني يعرب .

لنستمع إليه وهو يسير في باريس ليلة رأس السنة، في صخب رأس السنة، يقول في قصيدة عنوانها : مراكش الحبيبة : 1989 ( قدم لها بقوله : حنين من باريس، ليلة عيد المولد، والأرض جمَّدها الصقيع، إلى دِفْء مراكش )  [ كان شاعراً : 187 ]

في مطلع العام الجديدْ

وفرحة الميلادْ

ومن ضفاف " السِّينْ "

حيث يموجُ العيدْ

وترقص الصبايا

ويعَبثُ الأولادْ

حول دُمَى الصَّنَوْبَر اللألاءْ

واللعبة المسحورة العجيبهْ …

تهزني الأحلامُ والأشواقْ

إلى سفوح الأطلس العملاقْ

الجبلِ الذي يُظلِّلُ الحبيبهْ :

مراكش الحمراءْ

 

-  - -  - -  -  -  -

أسير في باريس فوق مرمر المروجْ

أهيمُ في الصقيع محفوفاً بهمس وحدتي

أسمع تحت قدمي تكسُّرَ الثلوجْ

هذا البساطُ الناصع الممدود… يُدمي مقلتي

لكنني ألمَحُ من ورائه رؤىً تموجْ

هناك فوق القمم المَهيبهْ

فوق ثلوج الأطلس الشماءْ

الجبلُ الذي يظلّلُ الحبيبهْ :

مراكش الحمراءْ 

ومات أمجد بعد أن هام في الصقيع محفوفا بهمس وحدته. مات غريباً بعد أن افتقد الدفء في أرض يعرب.

 وراح لينطفئ في الصقيع، هناك بعيداً عن وطنه، بعيدا عن الأمة التي تفانى في حبها. وتوارى جثمانه هناك في مقبرة (courbevoie ) بباريس.

من يتذكر الآن هذا الرجل ؟

فمن يذكر الآن أن هذا الرجل كان وزيراً للتربية والثقافة والتعليم العالي في الجمهورية  العربية المتحدة ( الوحدة بين مصر وسوريا :1958– 1961 ) ؟ من يذكر أن هذا الرجل كان يسهر إلى الساعة الثانية صباحاً، من كل ليلة؛ لوضع المقررات الدراسية للتعليم الابتدائي والثانوي والعالي لأبناء مصر وسوريا ؟ من يذكر الآن أن هذا الرجل رفض أن يستلم وزارة إحدى الدولتين المذكورتين؛ بعد انفصالهما، وبعد فشل الوحدة، وضياع التكامل الثقافي بينهما ؟

 من يذكر أن هذا الرجل جاء إلى المغرب، وهو في أوج عطائه العلمي؛ فوهب حياته وعلمه للتعليم الجامعي بالمغرب، كان العقل المدبر لمساره، والمؤسس لأكاديميته،  والمتفاني في رعايته وتوجيهه، العامل على تحديد هويته ؟  ومن ينكر أفضال هذا الرجل على الجامعة المغربية، وأغلب أساتذة هذه الجامعة اليوم هم من طلبة الأستاذ أمجد، أو هم من طلبة طلبته ؟

كيف كانت صورة أمجد في المغرب ؟

كان من الرموز الثقافية في الجامعة المغربية، منذ التحق بها سنة 1962 إلى أن غادرها في بداية التسعينيات. وظل خلال المدة المذكورة الأستاذ النموذجي للأستاذ الجامعي.

ظل بعيداً عن الأضواء، بكل أشكالها؛ في زمن تنوعت فيه الأضواء، وتضآلت فيه الهمم، وأصبح الناس على استعداد لأن يتشكلوا في أية صورة تُرضي غيرهم. عاش عزيز النفس، أبيّاً مُهابا، صانَه العلمُ من التبذل؛ فأبقى لنور العلم إشراقه وسموه. وأبقى لعزة النفس جلالها وقدسيتها.

عاصر أشكال التحولات التي عرفتها الثقافة العربية المعاصرة في النصف الثاني من القرن العشرين، عاصر غليان الحداثة في الثقافة العربية المعاصرة وتفاعلات الباحثين المغاربة معها ، عاصر في الجامعة المغربية التطرف الفكري بصنوفه، ، فظل  يُحلِّق في الأعالي يحافظ على التوازن داخل الجامعة، وقدم نموذج الانفتاح على التراث الإنساني، وظل في نفس الآن يعمل على ترسيخ هوية الأمة، ويقف بها في وجه الانحرافات التي قد تحيد بالجامعة عن رسالتها، وعن وظيفتها العلمية.

 فكان من الركائز التي واجهت العواصف الموسمية التي ظلت تجتاح الثقافة العربية الإسلامية في الثلث الأخير من القرن العشرين، واجهها بهدوئه  وهيبته، وصرامته في مواجهة التقلبات والأهواء؛ فصان للعلم حرمته. وظل في عراك صامت يذود عن الحمى؛ صيانةً للنفس العالمة من الابتذال، وترسيخاً لنزاهة الفكر والضمير، وحفاظاً على التوازن، ورفضاً للانحراف في الفكر والسلوك.

جاء إلى المغرب حاملاً في نفسه جراح الوحدة العربية التي ضاعت؛ آملاً أن تُبعث للعرب وحدة ثانية. جاء وهو في أوج قوته،  وأوج عطائه  إلى جبهة أخرى من أرض العروبة والإسلام، جاء لثغر إسلامي آخر من أجل مواصلة الجهاد.

وتراه يقول يوم استقباله في مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1972م: " إنني أمثُل بين أيديكم اليوم وأمل الوحدة قد أشرق من جديد وترامى إلى آفاق عربية أرحب. فعسى أن يكون فجراً لنصر قريب يتنسَّم فيه بنو قومي من جديد روح العزة، ويرفعون جباهاً ما خُلٍقتْ إلاَّ لتُرفَعَ ".

وهكذا قدم الأستاذ أمجد خبرته للجامعة المغربية، وأغدق على طلبة العلم من روحه وفكره ومشاعره الفياضة. ورسم في سلوكه ما ينبغي أن يتمثّل في علم الأستاذ الجامعي وخلُقه، في مواقفه ومواعيده والتزاماته، وفي منهجه ونزاهته وصرامته العلمية، ودقة فهمه للنصوص، ورحابة فكره.

ظل بيننا رمزاً يُذَكِّر بالقيم النبيلة في المجتمعات الجديرة بالعزة والكرامة والخلود. يُذّكّر بالعالم الباحث كيف يكون، والأستاذ المقتدر كيف يكون، وبنموذج الشاعر كيف يكون، وبالأخلاق كيف تكون، وبصورة الانفتاح على عالم اليوم كيف تكون …

وكان الأستاذ الوحيد على امتداد تاريخ الجامعة المغربية من يُصحح أثناء السنة الدراسية   فروض الطلبة فرضاً فرضاً، بصرامته المعهودة، وبدقته المتناهية؛ بدون كلَل أو ملَل، أو ادعاء أو ضجر. كل طالب ينجز بحثاً، ويتولى الأستاذ أمجد تصحيحَه بدقته المعهودة، وهي دقة سارت بذكرها الركبان.

وكان الأستاذ الوحيد على امتداد تاريخ الجامعة المغربية من يُصحح أثناء السنة الدراسية   فروض الطلبة فرضاً فرضاً، بصرامته المعهودة، وبدقته المتناهية؛ بدون كلَل أو ملَل، أو ادعاء أو ضجر. كل طالب ينجز بحثاً، ويتولى الأستاذ أمجد تصحيحَه بدقته المعهودة، وهي دقة سارت بذكرها الركبان.

وقد تم تكريمه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض بمراكش في أبريل من سنة 1985م، كما أقام اتحاد كتاب المغرب بالاشتراك مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس بالرباط، وباقي الجامعات المغربية؛ حفلا تكريميا بمناسبة مرور ربع قرن على جهوده في الجامعة المغربية، وكان ذلك في الفترة التي كان  يتولّى فيها د. أحمد اليابوري مسؤولية اتحاد كتاب المغرب [ 1 – 2 أبريل 1987 م].

وكان الأستاذ الوحيد على امتداد تاريخ الجامعة المغربية من يُصحح أثناء السنة الدراسية   فروض الطلبة فرضاً فرضاً، بصرامته المعهودة، وبدقته المتناهية؛ بدون كلَل أو ملَل، أو ادعاء أو ضجر. كل طالب ينجز بحثاً، ويتولى الأستاذ أمجد تصحيحَه بدقته المعهودة، وهي دقة سارت بذكرها الركبان.

وقدم د. أمجد الطرابلسي آخر درس افتتاحي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ، جامعة ابن وهر ، أكادير ، وكان ذلك خلال السنة الجامعية 1989 – 1990 . وعنوان الدرس الافتتاحي " مأساة شيخ المعرة " .

ونجد أن الأستاذ أمجد الطرابلسي قد كتب مقطوعة شعرية بعنوان : " غربتان "، قال في تقديمه لها: " على قبر الصديق حكمة هاشم، وكنا اغتربنا معاً منذ ثلاثين عاماً، ثم مات غريباً في باريس عام 1982م ".

 لاحظ الأستاذ  أمجد  في مقطوعته أن صديقه عاش غرْبَتين : غربة الحياة وغربة الفناء. وبعد حوالي تسعة عشر عاما، عرف الأستاذ أمجد المصير نفسه، ذاق مرارة الغربتين،  ولقىَ ربه بعيداً عن أرض العروبة والإسلام، بعيدا عن بلاد المغرب وبلاد الشام. وهذه هي تلك المقطوعة التي بكى فيها غربته ومصيره، قبل اليوم، وتساءل فيها عمن سيذكر لَحْدَه، ويزور قبره. يقول أمجد  [مجموعه : كان شاعراً :149 ] :

    أتيتُ يا صـديقي أبكــي وُدَّكْ

    أذكرُ عهدي هاهنـــا وعهدَكْ

    أبكي " علينا "  لا عليـك وحدكْ

    من يا تُر، متى قصدتُ قصـدكْ

    يذكر لحـدي أو يزور لَحْــدكْ  ؟

 

-         - - - - - - - - - - - -

-          

    كنا نقول : غربَةٌ يومـاً لها انقضاءْ

    ثم نعـودُ حيثُ ننسى البُعـدَ والشقاءْ

    ونلتقـي في حَيِّنَا أهــلاً وأصدقاءْ

    ها هي ذي تصرَّمَتْ وانكشفَ العماءْ

     مِنْ بعد غُربةِ الحياة غُربة الفنــاءْ

     وهذه يا صاحبي ليس لها انتهــاءْ

وبعد؛  أين ذهبت القيم التي زرعها في الوطن العربي ؟ ماذا أبقت الأيام من آثاره في النفوس ؟  هل يتذكر الناس كيف ومتى أفنى هذا الرجل حياته في تكوين أجيال من المغاربة ؟ هل يدري الناس كم كان مَعاش هذا الرجل، يوم أُحيل على الموت البطيء ؟ أمن الوفاء  يا أبناء يعرب أن

يوارى جثمانه في مقبرة كوربوفوا (courbevoie )  بباريس ؟ إن نهاية أمجد هناك  علامة جحود بفضل أهل الفضل .

كان أمجد الطرابلسي أحد أعلام النهضة العربية الحديثة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، كان شاعرا وباحثا ومحققا وأستاذا جامعياً متميزاً، وصاحب مشروع علمي ورسالة قومية. كان الأستاذ النموذج الذي مر من بلاد العروبة والإسلام، في النصف الثاني من القرن العشرين. فأنار الدرب وراح. ونبَّه الدنيا أن الأستاذ علم وأخلاق، لا تقوم دنيا الناس بدونهما. ظل ينشد لبني قومه روح العزة  ليَظلّوا رافعين جباهاً " ما خُلقتْ إلاَّ لتُرفَعَ " على حد تعبيره. وانتهى في باريس،  بعيدا عن دفء الأمة التي تفانى في حبها.

 

 خاتمـــة

 

أولا: شيء تنبأ به

 

في محاضرة له ألقاها بالكويت سنة 1956، عنوانها " تأملات وذكريات في حرم المسجد الجامع في قرطبة " ؛ عبر فيها عن مشاعره وهو يرى بلاد الأندلس. ويقول عنها د. شكري فيصل : " وقد انطلقت فيها من أنك العربي المسلم المغرم بالتاريخ المشغوف بالأدب تتيح له الأقدار أن يطوف في ربوع الأندلس. فاجتمع على صياغتها أدبك وثقافتك التاريخية، عقيدتك وحسك المرهف، بصيرتك الرائدة وبصرك الحاد [19]. وذكر بخاتمة تلك المحاضرة بقول الأستاذ أمجد:

 "لقد حدثتكم عن المسجد الجامعي بقرطبة كما رأيته وقد مضى على خروج العرب من الأندلس أكثر من 500 عام. فادعوا الله معي ألا يرينا في حياتنا، وأن لا يري أبناؤنا وأحفادنا من بعدنا يوما يأتي فيه رجل مثلي فيحدثهم بقلب موجع عن المسجد الأقصى كما حدثتكم اليوم عن مسجد قرطبة" [23].

ما كان أقصر الشوط بين 1956 و 1967 ولكن الغمة لن تطول ولن يكون هذا اليوم [23].

ثانيا : مشاريع علمية لم تر النور

(1) قال إنه  سيقدم دراسة لديوان أستاذه محمد البِزْم ، ولا نعرف شيئاً عنها اليوم .

(2) أشار في الكلمة التي وضعها بين يدي كتابه " النقد واللغة في رسالة الغفران "  إلى أنه عُنيَ فيه بشخصية المعري العلمية كما تتجلى في الغفران. وقال : " أما شخصيتُه الفنية في هذا الأثر الخالد فللكشف عنها جزء ثان؛ أستمِدُّ من الله العون على إنجازه ". [ قال ذلك بتاريخ 11 رمضان 137هـ / 15 حزيرا 1951م ]

(3) تحقيقه لرسالة الصاهل والشاحج لأبي العلاء، لا يُعرف مصيره اليوم، ولم يتبقَّ من ذكره إلا تلك المقالة التي نشرها في مجلة مجمع اللغة العربية لعلها مقدمة التحقيق .

 

الهوامش العامة للبحث

 

هوامش المبحث الأول

1 – خطاب د. شكري فيصل في حفل استقبال الدكتور أمجد الطرابلسي في مجمع اللغة العربية بدمشق، مطبوعات اللغة العربية بدمشق 1972 م.

2 -  خطاب د. أمجد الطرابلسي في حفل استقباله بمجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1972، مطبوعات المجمع 1972 م.

3 -  البحث المقدم لنيل الإجازة في الأدب العربي، أنجزه الطالبان : عبد الرحمن الغراز وحافيظ [ كذا ]  إبراهيم، تحت إشراف د. علال الغازي، السنة الجامعية 1983 – 1984 م،

 

جامعة محمد الخامس، كلية الآداب، شعبة اللغة العربية وآدابها، والمعلومات المتعلقة بحياته  استقاها الطالبان من الفقيد بشكل مباشر أثناء إنجازهما لبحثهما، ومن خطاب د. شكري فيصل. وقد ضم هذا البحث شعر الفقيد من أوائل سنة 1934 إلى أواخر 1940 م، مما يقدم ديوانا كاملا).

4 – التاريخ الإسلامي، التاريخ المعاصر ( مصر والسودان :1342 – 1409 هـ/ 1924 – 1989 ) : محمود شاكر، ص 140 – 144 – ط1 [ دمشق، المكتب الإسلامي، 1991م ]

 

هوامش المبحث الثاني

 

1 - شكري عمر فيصل (1337-1404 /1918-1985): باحث ومحقق، من أعضاء مجمع اللغة العربية بدمشق، أمضى عمره في التعليم الجامعي في سوريا وبلاد عربية منها المغرب، فقد درس بكلية الآداب بفاس وبكلية الآداب بمراكش في نهاية الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين. أطروحته: (المجتمعات الإسلامية في القرن الأول : نشأتها، مقوماتها، تطورها اللغوي والأدبي)،  ط1، 1952. ومن أشهر كتبه (مناهج الدراسة الأدبية)،  ط1،1952- (تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام)، ط1، 1952. [ينظر: تكملة معجم المؤلفين محمد خير رمضان يوسف، ص.230 -231، ط1 [ بيروت، دار ابن حزم،1972].

2 -  الأرقام الواردة بين معقوفين هكذا [   ] تشير إلى أرقام الصفحات من خطاب د.أمجد الطرابلسي في حفل استقباله سنة 1972، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، دمشق 1312 هـ/1972م

3 -  محمد البزِم [محمد بن محمود بن محمد بن سليم البزم:[ 1884-1955]، شاعر أديب، عراقي الأصل، دمشقي المولد والوفاة، من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق، أخذ عن جمال الدين القاسمي (1914)، له ديوان طبع في مجلدين بعد وفاته ، تنظر ترجمته في :  الأعلام: 7/91 -  وعند عمر رضا كحالة في كتابه : معجم المؤلفين، وقد جعل ميلاده سنة 1887 ، [ 3/706 ] .

4 -  عن عناية محمد البزم بأبي العلاء ذكر خير الدين الزركلي (1976) في أعلامه أن له كتابا على نسق رسالة الغفران لم يبيضه ولم يتمه سماه: الجحيم. قال:"قرأ لي فصلا منه في نقد أئمة من النحاة واللغويين"، وعن ارتباطه بالنحو ذكر الزركلي أنه حبب إليه النحو، فاطلع على مذاهبه حتى كان له رأي في نصرة بعضها. وكان يتهم الفيرزبادي بالشعوبية في اللغة، ويتعصب لابن منظور[7/91].

 

هوامش المبحث الثالث

 

 (1) خطاب الدكتور شكري فيصل في حفل استقبال الدكتور أمجد الطرابلسي  -  مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1972 ، ص 21 .

(2) نفسه : 12 - 13

(3) زجر النابح ( مقتطفات ) : أبو العلاء المعري، تحقيق : د. أمجد الطرابلسي، المطبعة الهاشمية بدمشق 1965 ، ص9

(4) الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربيين إلى حدود القرن الثامن الهجري :عباس أرحيلة [تصدير د. أمجد الطرابلسي :18 ] - مطبوعات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط .

 (5) مات العالم المتواضع، الملحق الثقافي، الجمعة 29 ذو القعدة 1421 الموافق 23 نوفمبر 2001 ، العدد 585

 (6) - ألقيت في افتتاح اليوم الدراسي، موضوعه : أمجد الطرابلسي : الباحث - الإنسان. كلية الآداب، مراكش  بتاريخ : الجمعة 16 مارس 2001

 

هوامش المبحث الرابع

 

(1) قضايا الشعر المعاصر : 91 - 92 - ط3 ، مكتبة النهضة 1967 [ نقلاً عن مجلة الرسالة، المجلد الأول من السنة السابعة ص: 106 ]

(2) نفسه : 209

(3) نفسه :226 - 227

(4) نفسه : 237 - والقصيدة في : كان شاعراً : 105

(5) في مجلة الرسالة غيرُ بحور العصورْ ، بدل : غير بعض العصور.

(6) نفسه : 238

(7) خطاب د. شكري فيصل في حفل استقبال د. أمجد الطرابلسي في مجمع اللغة العربية سنة 1972 ، ص:25 [ الأرقام الواردة بعد الآن بين معقوفين هكذا [    ] تشير إلى أرقام الصفحات في هذا الخطاب .

 

 

رابعا : بعض ما كتب بعد وفاته

 

1   - نعي الأستاذ أمجد في الأسبوع الأول من وفاته (مثال من الأحداث المغربية) الخميس 02/2001.

2 -   نشر عنه ملف بالملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي الجمعة 15 ذو القعدة 1421 الموافق 9 نوفمبر 2001 –العدد 583 (مواد العدد: عاشق العربية: نجيب العوفي -  رحيل علامة فذ: بشير القمري -  مقتطفات ومقاطع من شعر الفقيد نقلا عن  مجموعه: كان شاعرا  -  تعليق أولي عام حول أعماله وآثاره -  تقديم د.إدريس بن لمليح لكتاب أمجد الطرابلسي: "نقد الشعر عند العرب حتى القرن الخامس للهجرة ". وفي الملف صورتان بخط الأستاذ أمجد.  صورة له وصورة مع مجموعة من طلبته ].

3 - العلم الثقافي، جريدة العلم السبت 16 ذو القعدة 1421 الموافق 10 فبراير 2001، ملف يحتوي على ثلاث مقالات :

-  رحيل الأستاذ: د. محمد بن شريفة.

- ورحل الأستاذ أمجد الطرابلسي غريب عن أمته - مات أستاذ الأجيال: عباس أرحيلة

-  النص الميداني، إلى روح أمجد الماجد أمجد الطرابلسي رحمه الله : عبد الرحيم مؤدن.

4 - الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي، الجمعة 29 ذو القعدة 1421 الموافق23 نونبر 2001 العدد 585 : مقال د. حسن المنيعي : مات العالم المتواضع .

 5 - الملحق الثقافي، الجمعة 13 ذو الحجة 1421 الموافق 9 مارس 2001 : مقالتان :

- أمجد الطرابلسي ضوء يقيم في المغرب : محمد بنيس .

- العلامة أمجد الطرابلسي : يا ويل قلب لم يُصغ من حجر : الطائع الحداوي

6 - العلم الثقافي، السبت 13 ذو الحجة 1421 الموافق 10 مارس 2001 :

الدكتور أمجد الطرابلسي محققاً : عباس أرحيلة.

 7 - يوم دراسي بكلية الآداب، مراكش، في موضوع أمجد الطرابلسي : الإنسان - الباحث : 16 مارس 2001  [ 18 مداخلة، تخللتها مجموعة شهادات ، ستنشر لاحقا ].

8- أعلن الاتحاد المركزي لكتاب المغرب بتنسيق مع كلية الآداب جامعة محمد الخامس الرباط، عن تنظيم تأبيني يصادف مرور أربعين يوماً على وفاة الأستاذ أمجد الطرابلسي، وذلك بتاريخ  8 مارس 2001  ( وأرجئ ذلك إلى وقت لاحق ).